فَدَعَوْتَهُ رَدَّها عليك". قلت: اعهد إلي، قال: "لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا" قال: فما سَبَبْتُ بعده حرًا ولا عبدًا ولا بعيرًا ولا شاة، قال: "ولا تَحْقِرَنَّ شيئًا مِنَ المَعْرُوف، وأَنْ تُكَلِّمَ أخاك وأنْتَ مُنْبَسِطٌ إليه وَجْهُكَ إنَّ ذلكَ من المعروف، وارْفَعْ إزارك إلى نصف الساق، فإن أبَيْتَ فإلى الكعبين، وإياك وإسبالَ الإزار فإنها من المخيلة، وإن اللَّه لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتَمكَ وعَيَّركَ بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه"] (١).
ثالثًا: حفظ الجماعة المؤمنة، بالدعوة إلى بنائها وتوثيق أواصر التعاون والأخوة فيما بينها.
فقد قال جل ذكره في أول ما نزل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ﴾. أي قم يا محمد إلى الجماعة فاحفظها، وإلى الأمة فأنذرها، فإن القوة والحفظ متعلقة ببناء الجماعة وحفظ كيانها وحماية صرحها، فليعطف غنيها على فقيرها، وليرحم قويها ضعيفها، وليشد بعضها أزر بعض.
وقد قال اللَّه في أواخر السورة نفسها: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾.
أخرج عبد اللَّه بن الإمام أحمد في زوائد المسند، بإسناد حسن عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [مَنْ لمْ يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه، والتحدث بنعمة اللَّه شُكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب] (٢).
رابعًا: الصبر على الأذى.
وهو داخل في قوله سبحانه: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾. قال ابن زيد: (حمل أمرًا عظيمًا محاربة العرب ثم العجم من بعد العرب في اللَّه). وبنحوه قال اللَّه في سورة الأحقاف لنبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥].
(٢) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (٥/ ٢١١)، (٥/ ٢١٢)، وصحيح الجامع (٦٤١٧). وله شاهد عند البخاري في الأدب المفرد (٣٣)، وعند أبي داود (٢/ ٢٩٠) وابن حبان (٢٠٧٠).