سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)}.
في هذه الآيات: توعُّد اللَّه سبحانه الوليد بن المغيرة العذاب الأليم، لاتهامه القرآن بالسحر وافتراء الكذب على كلام اللَّه العظيم.
فإنه ما إنْ أتى موسم الحج عقب الأمر بالجهر بالدعوة، إلا وخشيت قريش ماذا تقول للعرب في شأن محمد، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة وكان من أعلمهم بالفصاحة والشعر ولسان العرب، وكلموه في الأمر عسى أن يجدوا له حلًا ومخرجًا.
يروي البيهقي والحاكم على شرط البخاري عن عكرمة عن ابن عباس: [أن الوليد بن المغيرة جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم! إنَّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا. قال: لم؟ قال: ليعطوكه فأنت أتيت محمدًا لتعرض ما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له. قال: وماذا أقول؟ فواللَّه ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم بِرَجَزِه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن، واللَّه ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا. وواللَّه إن لِقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: قف عني حتى أفكر فيه، فلما فكَّر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر بأثره عن غيره، فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا﴾ الآيات] (١).
قال ابن عباس: (أنزل اللَّه في الوليد بن المغيرة قوله: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾).
وقوله: ﴿وَحِيدًا﴾. قال مجاهد: (خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد). وقال قتادة: (وهو الوليد بن المغيرة، أخرجه اللَّه من بطن أمه وحيدًا لا مال له ولا ولد، فرزقه اللَّه المال والولد، والثروة والنماء).
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا﴾. قال مجاهد: (كان ماله ألف دينار).

(١) أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (١/ ٥٥٦)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٥٠٧)، وانظر: "الصحيح المسند في أسباب النزول" - الوادعي - سورة المدثر، الآيات (١١ - ٣٠).


الصفحة التالية
Icon