والمشركون ما الحكمة من ذكر هذا هاهنا؟. قال ابن زيد: (يقول: حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر).
وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. قال ابن كثير: (أي: مِنْ مِثل هذا وأشباهه يتأكَّدُ الإيمانُ في قلوب أقوامٍ، ويتزلزل عند آخَرِين، وله الحكمة البالغة، والحجَّة الدامغةُ).
وقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. قال قتادة: (أي من كثرتهم).
قال الزمخشري: (أي وما يعلم ما عليه كل جند من العدد الخاص، من كون بعضها على عقد كامل، وبعضها على عدد ناقص، وما في اختصاص كل جند بعدده، من الحكمة إلا هو. ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك، كما لا يعرف الحكمة في أعداد السماوات والأرضين وأمثالها. أو وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعزّ عليه الزيادة على عدد الخزنة المذكور، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها).
ومن كنوز السنة العطرة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه من حديث أنس -حديث الإسراء- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ثم عرج بنا إلى السماء السابعة... ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه] (١).
وله شاهد في المسند عنه مرفوعًا بلفظ: [البيت المعمور في السماء السابعة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة].
الحديث الثاني: أخرج الترمذي وابن ماجة بسند حسن من حديث أبي ذر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إني أرى ما لا تَرَوْن وأسْمَعُ ما لا تَسْمعون، أَطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئِطّ، ما فيها مَوْضِعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضِعٌ جبهتَهُ للَّه ساجدًا] الحديث (٢).
الحديث الثالث: أخرج الطيالسي في "مسنده"، وابن خزيمة في "صحيحه" بإسناد
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٤١٩٠) - كتاب الزهد - باب الحزن والبكاء، والترمذي في أبواب الزهد. انظر صحيح سنن الترمذي (١٨٨٢)، وصحيح سنن ابن ماجة (٣٣٧٨).