قال القاشانيّ: (جمع بين القيامة والنفس اللوامة، في القسم بهما، تعظيمًا لشأنهما، وتناسبًا بينهما. إذ النفس اللوامة، هي المصدقة بها، المقرّة بوقوعها، المهيئة لأسبابها، لأنها تلوم نفسها أبدًا في التقصير، والتقاعد عن الخيرات، وإن أحسنت، لحرصها على الزيادة في الخير، وأعمال البر، تيقُّنًا بالجزاء، فكيف بها إن أخطأت وفرطت وبدرت منها بادرة غفلة ونسيانٍ).
وقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أيَظُنُّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها؟ ).
وقوله تعالى: ﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾. البنان: الأصابع، واحدها بنانة. أي: بلى قادرين على ما هو أعظم من ذلك: أن نسوي أصابع يديه ورجليه لتصبح شيئًا واحدًا كخفّ البعير أو حافر الحمار، فإذا هو يأكل بفيه كسائر البهائم. قال ابن عباس: (﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ قال: لو شاء لجعله خفًا أو حافرًا). وقال الحسن: (جعلها يدًا، وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ، ولو شاء لجمعهُنّ، فاتقيت الأرض بفيك، ولكن سوّاك خلقًا حسنًا).
و﴿قَادِرِينَ﴾ حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف. قال سيبويه: (على معنى نجمعها قادرين). وقيل: بل المعنى نقدر قادرين، أو نقوى قادرين - حكاه الفرّاء.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾. فيه أقوال متقاربة:
١ - قال ابن عباس: (يعني الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة. ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة). وقال: (﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ قال: يمضي قدمًا). وقال سعيد بن جبير: (﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ قال: سوف أتوب).
٢ - وقال عبد الرحمن بن زيد: (يعني الكافر يكذّب بما أمامه من البعث والحساب).
٣ - وقال مجاهد: (﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾: يمضي أمامه راكبًا رأسه). وقال الحسن: (لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية اللَّه قُدُمًا قُدُمًا، إلا من قد عصم اللَّه). وقال: (قدُمًا في المعاصي). وقال عكرمة: (قدمًا لا ينزع عن فجور).
٤ - وقال الضحاك: (هو الأمل، يؤمل الإنسان: أعيش وأصيب من الدنيا كذا، وأصيب كذا، ولا يذكر الموت).