حقًّا أن المساق للَّه ﴿إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي).
والتراقي: جمع تَرْقُوة، وهي العظام المكتنفة لِنُقْرَةِ النَّحر -بين ثُغرة النحر والعاتق-، وهو مقدّم الحلق من أعلى الصدر، موضع الحَشرجة. وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود: تذكيرهم شدّة الحال عند نزول الموت.
وقوله تعالى: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾. -هو على وجه الاستبعاد واليأس- قال ابن عباس: (أي: هل من راق يرقي). وقال أبو قلابة: (هل من طبيب شاف). وقال ابن زيد: (وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به؟ وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر اللَّه الذي قد نزل به شيئًا).
وقيل: بل المعنى: من رَقِيَ يَرْقى، إذا صَعِدَ. قال أبو الجوزاء، عن ابن عباس: (﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قال قيل: مَنْ يَرْقى بروحِه، ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ ).
وعلى هذا فإنه يكون من كلام الملائكة. وكلا المعنيين وارد منسجم مع السياق والإعجاز.
وقد أظهر عاصم وقوم النون في قوله تعالى: ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ واللام في قوله: ﴿بَلْ رَانَ﴾ [المطففين: ١٤] لئلا يشبه مَرَّاق وهو بائع المَرْقة، وبَرَّان في تثنية البر. قال القرطبي: (والصحيح ترك الإظهار، وكسرة القاف في ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ وفتحة النون في ﴿بَلْ رَانَ﴾ تكفي في زوالِ اللبس).
قلت: وكلام القرطبي مناسب في هذا المقام، لئلا يفهم قوم وجوب مثل هذا الوقف.
وقوله تعالى: ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾. أي: وأيقن الإنسان حين عاين الملائكة أنه مفارق الدنيا والأهل والمال والولد.
وقوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾. فيه أقوال متقاربة ومتكاملة:
١ - قال ابن عباس: (التفت عليه الدنيا والآخرة. يقول: آخرَ يوم من أيام الدنيا، وأولَ يوم من أيام الآخرة، فتلتقي الشدَّة بالشدَّة إلا مَن رحم اللَّه).
٢ - وقال عكرمة: (﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾: الأمر العظيم بالأمر العظيم).
وقال مجاهد: (بلاء ببلاء. يقول: تتابعت عليه الشدائد). قال الضحاك: (اجتمع