ومشيج، أي مَخلوط وخليط. قال ابن عباس: (ماء المرأة وماء الرجل يمشجان). وقال عكرمة: (ماء الرجل وماء المرأة يختلطان).
وقال الربيع: (الأمشاج هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة).
وعن قتادة قال: (الأمشاج: اختلط الماء والدم، ثم كان علقة، ثم كان مضغة).
وقال أيضًا: (﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ أطوار الخلق، طورًا نطفة، وطورًا علقة، وطورًا مضغة، وطورًا عظامًا، ثم كسى اللَّه العظام لحمًا، ثم أنشأهُ خلقًا آخر، أنبت له الشعر).
والمقصود: خلق اللَّه تعالى الإنسان من اختلاط ماء الرجل بماء المرأة، ثم نقله بعد ذلكَ من طور إلى طور، وحال إلى حال، ولونٍ إلى لون.
وقوله: ﴿نَبْتَلِيهِ﴾. هو سرّ وغاية الخلق. أي نختبره ونمتحنه، كما قال جل ثناؤه: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢].
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. أي: فجعلنا له سمعًا وبصرًا يساعدانه على طاعة اللَّه أو معصيته.
وقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾. قال مجاهد: (أي بيّنا له السبيل إلى الشقاء والسعادة). وقال عكرمة: (بيّنا له طريق الخير وطريق الشّر).
وقال النسفي: (بيّنا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].
فهذه الهداية المذكورة في قوله جل ثناؤه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ والآيات السابقة بعدها هداية الدلالة والإرشاد -هداية الرسل وإقامة حجة اللَّه على عباده- وهي المرتبة الثانية من مراتب الهداية كما وردت في الكتاب والسنة. فمراتب الهداية:
أ - الهداية العامة لجميع الخلق لمصالحهم.