شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)}.
في هذه الآيات: ذِكْرُ ما فيه أهل الجنة من الفضل العميم، وروائع النعيم المقيم، وما ذاكَ إلا تكرمةً لهم من اللَّه العلي الكريم.
فقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾.
الأرائك: جمع أريكة. قال ابن عباس: (يعني الحِجال). وقال قتادة: (كنا نُحَدَّثُ أنها الحجالُ في الأسرّة). ونصب ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ على الحال. والزمهرير: البرد الشديد. قال مُرَّة الهَمداني: (الزمهرير: البرد القاطع).
والمقصود: جزاهم ربهم جنة متكئين فيها على الأسرة التي عليها الكلل، ولا يرون حرَّ الشمس ولا برد الزمهرير، بل أعذب المناخ وأروع المجلس.
وقوله: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا﴾. قال ابن جرير: (وقَرُبت منهم ظلالُ أشجارها).
وقوله: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾. قال قتادة: (لا يردُّ أيديهم عنها بُعد ولا شوك).
وقال مجاهد: (إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلَّت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلَّت حتى ينالها، فذلكَ تذليلها).
والمقصود: ذُلِّل لهم اجتناءُ ثمر شجرها، فقد دنت منهم أغصانها، كما قال جل ثناؤه: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾ [الرحمن: ٥٤]، وكما قال جلت عظمته: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣]. قال ابن زيد: (الدانية: التي قد دنت عليهم ثمارها). وقال ابن كثير: (أي متى تعاطاه دنا القِطفُ إليهِ وتَدلَّى من أعلى غُصنِه، كأنهُ سامعٌ طائع).
وقوله: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ﴾. أي: وتدور عليهم الخدم إذا أرادوا الشرب بآنيةٍ من فضة وكؤوس الفضة. والأكواب: جمع كوب. وهو كوز لا أذن له، أو إبريق لا عروة له.
وقوله: ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾. قال النسفي: (كان تامة، أي كونت فكانت قوارير بتكوين اللَّه، نصب على الحال). وقيل: ﴿قَوَارِيرَا﴾ في محل نصب خبر كان. وقال ابن جرير: (يقول: كانت هذه الأواني وأكواب قوارير، فحوّلها اللَّه فضة. وقيل: إنما قيل: ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدلّ بذلك على أن أرض الجنة فضة، لأن كلّ آنية تُتَّخَذُ، فإنما تُتخذ من تربة الأرض التي فيها، فدلَّ جلّ ثناؤهُ بوصفة الآنية متى يطاف