بها على أهل الجنة أنها من فضة، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة).
وقوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾. قال الحسن: (صفاء القوارير في بياض الفضة). وقال مجاهد: (فيها رقة القوارير في صفاء الفضة). ونصب ﴿قَوَارِيرَا﴾ هنا على البدلية أو "تمييزًا" لتبيان اللَّه له بقوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾. والمقصود: هذه القوارير الموصوفة تجمع بين صفاء الزجاج وبياض الفضة، والقوارير لا تكونُ عادة إلا من زجاج، فجعلها اللَّهُ من فضة شفافة يُرى ما في باطنها من ظاهرها مما لا نظير لهُ في الدنيا.
وقوله: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾. أي مصنوعة في حجومٍ على قدر ريِّ طالبيها من أهل الجَنَّة، وهو أبلغ في الاعتناءِ والتشريف والتكريم وحسن الضيافة. قال الحسن: (قُدِّرت لرّي القوم). وقال سعيد: (قدر ريِّهم). وقال مجاهد: (لا تنقص ولا تفيض).
وقال ابن جرير: (قدّرها لهم السُّقاة يطوفون بها عليهم).
وقوله تعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا﴾. قال مجاهد: (يأثُرُ لهم ما كانوا يشربون في الدنيا فيحبِّبُه إليهم). وقال قتادة: (تمزج بالزنجبيل).
والمقصود: يسقون -أي الأبرار- في الجنة ﴿كَأْسًا﴾ أي: خمرًا مزجت بالزنجبيل. قال القاسمي: (أي ما يشبهه في الطعم. وكانت العرب يستلذون الشراب الممزوج به). وقال ابن كثير: (فتارة يُمزَجُ لهم الشرابُ بالكافور وهو باردٌ، وتارةً بالزنجبيل وهو حار، ليعتدل الأمرُ، وهؤلاء يُمزَجُ لهم من هذا تارة ومن هذا تارةً. وأما المقرَّبون فإنهم يشربونَ من كلِّ منهما صِرْفًا، كما قال قتادة وغير واحد).
وقوله تعالى: ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾. السلسبيل في لغة العرب: اسم لماء في غاية السلاسة، حديد الجرية، يسوغ في الحلوق. قال عكرمة: (اسم عين في الجنة). وقال مجاهد: (سميت بذلك لسلاسة سيلها وجدة جريها).
وقوله: ﴿عَيْنًا﴾ بدل من ﴿زَنْجَبِيلًا﴾، فسميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل فيها. والعرب تستلذه وتستطيبه، وقد جمع بين سلاسة الانحدار وسهولة المساغ والمذاق الطيب.
وقوله: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾. أي: ويطوف على أهل الجنةِ غلمانٌ ينشئهم اللَّه لخدمةِ المؤمنين، أو ولدان الكفرة يجعلهم اللَّه تعالى قائمين على خدمة أصحاب النعيم، وهم ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ أي: على حالة واحدة وسن واحدة لا يتغيرون عنها. وقال قتادة: (﴿مُخَلَّدُونَ﴾ أي لا يموتون). والمعنى الأول أرجح.