قال القرطبي: (﴿مُخَلَّدُونَ﴾ أي باقون على ما هم عليهِ من الشباب والغضاضةِ والحُسن، لا يَهْرَمونَ ولا يتغيرون، ويكونون على سنّ واحدة على مر الأزمنة. وقيل: مخلّدون لا يموتون. وقيل: مُسوَّرون مَقَرَّطون، أي مُحَلَّونَ والتخليد التحلية).
أخرج أبو نعيم في "الحلية"، والطبراني في "الأوسط"، بسند حسن في الشواهد عن أنس بن مالك قال: [سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون بها فيدخلون النار، ولم تكن لهم حسنة يجازون بها فيكونون من ملوك الجنة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هم خدم أهل الجنة] (١).
وله شاهد عند ابن مندة في "المعرفة" عن سنان بن سعد عن أبي مالك قال: سئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أطفال المشركين؟ قال: [أطفال المشركين هم خَدَمُ أهل الجنة] (٢).
وقوله: ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾. أي: وإذا نظرت إليهم في حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم وسرعة انتشارهم في قضاء حوائج السادة ظننتهم لؤلؤًا مفرقًا منثورًا. وأما الحور العين فشبَّههن باللؤلؤ المكنون المخزون لأنهن لا يُمتهنَّ بالخدمة.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾.
﴿ثَمَّ﴾ ظرف مكان. والمقصود: وإذا رأيت هناك في الجنة -يا محمد- ورميت بطرفك في أرجائها رأيت مملكة للَّه عظيمة وسلطانًا باهرًا وكرامة لهؤلاء الأبرار في الكسوة والطعام والشراب وألوان الملذات وروعة الخدمة.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أبي سعيد مرفوعًا: [إن أدنى أهل الجنة منزلًا رجل صرفَ اللَّه وجهه عن النار قِبَل الجنة... فيقول: أي رب أدخلني الجنة، فيدخلُ الجنة، فإذا دخلَ الجنة قال: هذا لي؟ فيقول اللَّه لهُ: تمنَّ، فيتمنى، ويذكره اللَّه عزَّ وجلَّ: سَلْ مِنْ كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال اللَّه: هو لك وعشرةُ أمثالِه، ثم يدخله اللَّهُ الجنة، فيدخلُ عليه زوجتاهُ من الحور العين، فيقولان: الحمدُ
(٢) رواه ابن مندة في "المعرفة" (٢/ ٢٦١/ ١)، ويشهد له ما قبله. انظر صحيح الجامع الصغير (١٠٣٥)، والسلسلة الصحيحة (١٤٦٨)، والحديث صحيح في الشواهد.