وقيل: هو حال. والمقت والمَقَاتة مصدران، يقال: رجل مَقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس).
قال الزمخشري: (هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه. قصد في "كَبُرَ" التعجب من غير لفظه. ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين. وأسند إلى ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾، ونصب "مقْتًا" على تفسيره، دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص، لا شوب فيه، لفرط تمكّن المقت منه. واختير لفظ "المقت" لأنه أشد البغض وأبلغه، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيرًا، حتى جعل أشده وأفحشه. و ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أبلغ من ذلك، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند اللَّه، فقد تم كبره وشدته).
قال الناصر: (وزائد على هذه الوجوه الأربعة وجه خامس، وهو تكراره لقوله: ﴿مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وهو لفظ واحد، في كلام واحد. ومن فوائد التكرار التهويل والإعظام) حكاه القاسمي.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾. قال ابن كثير: (فهذا إخبار منه تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا اصطفُّوا مواجهين لأعداء اللَّه في حَوْمَةِ الوغى، يقاتلون في سبيل اللَّه من كفَرَ باللَّه، لتكون كلمةُ اللَّه هي العليا، ودينُه هو الظاهرُ العالي على سائر الأديان). قال ابن عباس: (﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: مُثَبّتٌ، لا يزول، ملصق بعضه ببعض). وقال قتادة: (﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه، فكذلك اللَّه عزَّ وجلَّ لا يحب أن يختلف أمره، وأن اللَّه صفّ المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر اللَّه فإنه عصمة لمن أخذ به).
يروي الدارمي وصاحب المصابيح بسند حسن عن كعب يحكي عن التوراة قال: [نجد مكتوبًا: محمد رسول اللَّه عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه الشام، وأمته الحمّادون، يحمدون اللَّه في السراء والضراء، يحمدون اللَّه في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف، رعاةٌ للشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، يتأزّرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جوّ السماء، صَفُّهم في القتال وصفّهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل] (١).