وأخرج الإمام أحمد في المسند، والنسائي في السنن، والطبراني بإسناد على شرط مسلم عن يزيد بن عبد اللَّه بن الشِّخِّير قال: [قال مُطَرِّفٌ: كان يبلغني عن أبي ذَرّ حديثٌ كنت أشتهي لقاءَه، فلقيتُه فقلتُ: يا أبا ذرٍّ، كان يبلغني عندك حديثٌ فكنت أشتهي لقاءَك. فقال: للَّه أبوك! فقد لقيتَ، فهاتِ. فقلتُ: كان يبلغني عنك أنك تزعمُ أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَدَّثكم: أن اللَّه يحبُّ ثلاثةً ويُبْغِض ثلاثةً؟ قال: أجَل، فلا إخالُني أكذِبُ على خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قلت: فَمَن هؤلاء الثلاثة الذين يحبُّهم اللَّه؟ قال: رجُلٌ غَزَا في سبيل اللَّه، خرَج مُحْتَسِبًا مُجاهدًا فلقي العدوَّ فَقُتِلَ، وأنتم تجدونَهُ في كتاب اللَّه المنزَّل، ثم قرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾] الحديث (١).
٥ - ٦. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)﴾.
في هذه الآيات: بيانٌ من اللَّه تعالى أنَّ موسى وعيسى -عليهما الصلاة والسلام- أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل اللَّه، وقد حَلَّ العقاب بمن خالفهما، وقد بشَّر عيسى بالمصطفى عليهما الصلاة والسلام.
فقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾. تسلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يلقاه من أذى قومه، فها هو موسى قد أوذي من قبله فصبر. وفيه نهيِ للمؤمنين عن إيذاء نبيهم مثل قوم موسى. كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩].
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: [قَسَمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: واللَّه ما أرادَ محمدٌ بهذا وَجْهَ اللَّه، فأتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرتهُ فتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وقال: رحِمَ اللَّه موسى، لقد أوذِيَ بأكثرَ مِنْ هذا فصَبَرَ] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٠٥٩) - كتاب الأدب، وانظر كذلك (٣١٥٠).