ومن إيذاء بني إسرائيل لموسى عليه السلام: رَمْيُه بالأدْرة، وقولهم: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، وقولهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ [المائدة: ٢٤]، وغير ذلك من محاولات الاتهام والعِناد.
قال القرطبي: (﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ والرسول يحترم ويعظَّم. ودخلت "قَدْ" على ﴿تَعْلَمُونَ﴾ للتأكيد، كأنه قال: وتعلمون علمًا يقينًا لا شبهة لكم فيه).
وقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾. أي: فلما عدلوا ومالوا عن الحق والهدى، عدَلَ اللَّه بقلوبهم فأمالها عن الرشد والهداية إلى الزيغ والضلال. وهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الضلال كما جاء في الكتاب والسنة.
فمراتب الضلال: أولًا - مرتبة الضياع والانحراف: وهي نتيجة رفض الحق وطريق الرسل.
ثانيًا - مرتبة الترك والإهمال والتناسي والخذلان: وهي نتيجة للغور في البعد عن اللَّه، وتعمد ما يسخطه.
ثالثًا - مرتبة الهداية إلى النار يوم القيامة.
فقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾. يدل على المرتبة الثانية مرتبة الترك والخذلان، فيختم اللَّه على قلوب أصحابها فلا طريق للحق إليها.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥].
وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه] (١).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾. قال النسفي: (أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق).