الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)}.
في هذه الآيات: ذكر قصة موسى مع فرعون الطاغية للاعتبار، ليتعظ بذلك كفار قريش ومن مضى على سبيلهم بالكفر والاستهتار، فقد أهلك اللَّه الطاغية وجنوده وكان للنبوة الظفر والانتصار.
فقوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾. تسلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يلقاه من أذى قومه وتكذيبهم. قيل: ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾ أي قد جاءك وبَلَغَك ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾. قال القرطبي: (أي إن فرعون كان أقوى من كفار عصرك، ثم أخذناه، وكذلك هؤلاء). وقيل: "هل" بمعنى "ما" أي ما أتاك، ولكن أخبرت به، فإن فيه عبرة لمن يخشى. وقال النسفي: (﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع، والتشريف للمخاطب به).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾. أي: حين ناجاه ربه بالوادي المطهر الذي اسمه ﴿طُوًى﴾. قال ابن جرير: (يعني بالمقدس: المطهَّر المبارك). وعن مجاهد: (قوله ﴿طُوًى﴾ اسم الوادي). قال الفرّاء: (طوَى: واد بين المدينة ومصر. قال: وهو معدول عن طاوٍ، كما عدل عمر عن عامر). وفي الصحاح: (طُوى: بضم الطاء وكسرها اسم موضع بالشأم يُصْرَفُ ولا يُصْرف: فمن صَرَفه جعله اسمَ وادٍ ومكانٍ وجَعَله نكرة. ومن لم يَصْرِفْه جَعَلَهُ بَلْدَةً وبُقْعَة وجعله معرفة). قال الرازي: (وقال بعضهم: طُوًى هو الشيء المثنيُّ، وقال في قوله تعالى: ﴿الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ طُوِيَ مرتين أي قُدِّسَ مرتين). وقال الحسن: (ثُنِيَت فيه البركة والتقديس مرتين).
وقوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾. أي: ناداه ربه أن اذهب إلى فرعون فقد عتا وتجاوز حدّه في العدوان، والتكبر على ربه.
وقوله تعالى: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾. قال ابن عباس: (هل لك أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه). وقال ابن زيد: (إلى أن تسلم). قال النسفي: (﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان). والمقصود: دعا موسى فرعون ليكون زكيًا مؤمنًا.
وقوله تعالى: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾. أي: وأرشدك إلى تعظيم ربك والتزام طاعته فتخافه وتتقيه. قال ابن كثير: (أي: أدُلّكَ إلى عبادة ربك، ﴿فَتَخْشَى﴾، أي: فيصيرَ قلبُكَ خاضعًا له مطيعً خاشعًا بعد ما كان قاسيًا خبيثًا بعيدًا من الخير).