أنَّ جِبرئيل جَعَلَ يَدُسُّ في فِي فرعون الطِّين، خَشْيَةَ أن يقولَ: لا إله إلا اللَّه فَيَرْحَمَهُ اللَّه، أو خَشية أنْ يَرْحَمَهُ] (١).
وروى الترمذي -كذلك- عن ابن عباس، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لما أَغْرَقَ اللَّه فرعون قال: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل. فقال جبرئيلُ: يا محمدُ لو رأيتني وأنا آخُذُ من حالِ البحر وأدُسُّهُ في فيه مَخافةَ أنْ تدرِكَهُ الرحمة] (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾. أي إن في ذلك الخزي والعقاب لفرعون وجنده اعتبارًا وعظة من يخاف اللَّه عز وجل ويخشى عقابه.
٢٧ - ٣٣. قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾.
في هذه الآيات: إظهارُ بدائع قدرة اللَّه العظيم، وتقريعٌ بذلك وتوبيخ للمشركين، الذين يغفلون عن آلاء ونعم الرحمان الرحيم.
فقوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾. تقريع وتوبيخ للمشركين. قال القرطبي: (يريد أهل مكة، أي أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم ﴿أَمِ السَّمَاءُ﴾ فمن قدَر على السماء قَدَرَ على الإعادة، كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس: ٨١]. قال: ثم وصف السماء فقال: ﴿بَنَاهَا﴾ أي رفعها فوقكم كالبناء).
قلت: وقد أثبت التقدم العلمي والكشوف العلمية الحديثة أن أجرام السماء كأحجار في بناء واحد يشد بعضه بعضًا، ويقوم كل على الآخر في انسجام وتناسق عجيب، فإذا اختل النظام في جرم أو أجرام اختل البناء كله.
وقوله تعالى: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾. قال ابن عباس: (﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ يقول بُنيانها).
(٢) صحيح بما قبله. أخرجه الترمذي (٣١٠٧) - كتاب التفسير - سورة يونس. وانظر كذلك: صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (٢٤٨٣).