وقال مجاهد: (﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾: رفع بناءها بغير عمد). وقال قتادة: (يقول: رفع بناءها فسواها).
قلت: ومن الإعجاز العلمي المعاصر الذي تعكسه دقة هذه الألفاظ القرآنية: أَنَّ الإنسان لم يعرف مقدار ارتفاع السماء إلا بعد كشف العلم عن مواقع بعض النجوم، فعرفنا أن السماء مرتفعة وليست قريبة كما يظن بالنظر المجرد، فسبحان اللَّه الذي ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾. أي أظلم ليلها ونوّر نهارها. قال ابن عباس: (﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ يقول: أظلم ليلها). وهو من غَطِشَ الليل أي ظَلِم، والغَطَش والغَبَشُ الظلمة. وعن قتادة: (﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ يقول: نوّر ضياءها). وقال الضحاك: (﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ قال: نهارها). وقال ابن زيد: (ضوء النهار).
ويؤكد الباحثون المعاصرون أن الأرض والشمس والنجوم كانت جميعًا شيئًا واحدًا لا يتميز عليه ليل أو نهار، فلما حدث الانفصال وأخذت بعض الكواكب تبرد وتدور حول نفسها فببرودتها أصبحت معتمة، وبدورانها أمام الشمس والنجوم المضيئة تميز عليها النهار، كما تميز الليل. وهكذا تبين لنا دقة هذا التعبير القرآني المعجز: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾. أي بسطها. من دَحَوْتُ الشيء دحوًا: إذا بسطته. قال القاسمي: (﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي بعد تسوية السماء على الوجه السابق، وإبراز الأضواء ﴿دَحَاهَا﴾ أي بسطها ومهّدها لسكنى أهلها، وتقلبهم في أقطارها).
يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابِه "توحيد الخالق" (ص ٣٥٥): (دحاها: أي بسطها لتكون صالحة للإنبات ونفع الإنسان. ومن معاني الأدحية: البيض، ومن معاني دحا: دحرج. ويظهر أن الأرض عند انفصالها أخذت تدور وتتدحرج في مسارها ولا تزال تتدحرج وتتقلب وهي تجري في فلكها ومسارها، فهل تلقى هذه الحقيقة العلمية أوضح معنى من قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾).
وقوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾. قال ابن عباس: (ودَحْيُها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقَّق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبالَ والرِّمالَ والسُّبُلَ والآكام). وقال الضحاك: (﴿وَمَرْعَاهَا﴾: ما خلق اللَّه فيها من النبات، و ﴿مَاءَهَا﴾: ما فجّر فيها من الأنهار). قال القُتَبي: (دَلَّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتًا ومتاعًا