وقوله تعالى: ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾. أي: وبساتين غلاظ الأشجار جمع غلباء، بديعة المنظر ويستظل بظلها. قال ابن عباس: (﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾ قال: الحدائق: ما التف واجتمع). وقال ابن زيد: (﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾: عظام النخل العظيمة الجذع. قال: والغُلْبُ من الرجال: العظام الرقاب، يقال: هو أغلب الرقبة: عظيمها). وقال ابن عباس أيضًا: (﴿غُلْبًا﴾ أي طوال. قال: الشجر الذي يستظل به). وقال عكرمة: (﴿غُلْبًا﴾ أي غِلاظُ الأوساط. وفي رواية: غِلاظ الرقاب).
وقوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾. الفاكهة ما يتفكه به من الثمار. والأبّ: الكلأ والمرعى، فهو ما أنبتته الأرض مما يخصّ الدواب. قال ابن عباس: (الفاكهة كُلُّ ما أُكِلَ رُطبًا. والأبُّ ما أنبتت الأرض مما تأكلُه الدوابُّ ولا يأكُلُهُ الناس). وفي رواية عنه: (هو الحشيش للبهائم). وقال مجاهد: (الأبُّ: الكلأ). وقال عطاء: (كُلُّ شيء نبتَ على وجه الأرض فهو أبٌّ).
وقوله تعالى: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾. امتنان من اللَّه سبحانه على عباده، فإن إنبات هذه الأشياء إمتاع للناس ولبهائمهم المسخرة لهم. ونصب ﴿مَتَاعًا﴾ على المصدر المؤكِّد.
والخلاصة: يرزق اللَّه تعالى العباد من النباتات والأشجار، التي تصنع الطعام من الماء، والتراب، والهواء، ويُسَخِّرُ اللَّه الشمس للنبات، لإتمام صُنْعِ الغِذاء الذي يحتاجُه الإنسان، والحيوان، وما كان للغذاء أن يُوَفَّرَ، لولا أن اللَّه يسوق الماء العذبَ، ويُهَيِّئُ التربة الصالحة للزراعة، ويوجد الجَوَّ، والظروف المناسبة، لإنتاج الغذاء من النباتات، عيشة لكم أيها الناس ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة.
٣٣ - ٤٢. قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)﴾.
في هذه الآيات: التهديد بقدوم الصَّاخة وهي القيامة، يوم يطلب المرء النجاة ويفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وجميع خِلّانِه، والوجوه يومئذ إما ضاحكة مستبشرة