كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلًا).
ومن ثَمَّ فليس المراد من الحديث ما تبادر لذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر يعذبان عقوبة لهما، كلا، فاللَّه تعالى لا يعذب من أطاعه من خلقه وسجد له، والشمس والقمر كانا على ذلك السجود والتعظيم، كما قال جلّت عظمته: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج: ١٨]. وإنما يكوران ويلقيان في النار يوم القيامة تبكيتًا لعُبَّادهما، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾. أي: تهافتت وتناثرت فتساقطت. قال ابن عباس: (تساقطت). وقال مجاهد: (تناثرت). وقال أبو صالح: (انتثرت). وعن ابن عباس أيضًا: (﴿انْكَدَرَتْ﴾: تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها). قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون انكدارها طَمْسُ آثارها. وسميت النجوم نجومًا لظهورها في السماء بضوئها).
قلت: وأصل الانكدار في كلام العرب: الانقضاض والانصباب بسرعة. قال الرازي: ("انكدر" أي أسْرَع وانقضَّ، ومنه انكدرت النُّجوم). وقال أبو عبيدة: (﴿انْكَدَرَتْ﴾ انصبَّت كما تنصب العُقاب إذا انكسرت).
والمقصود: وإذا النجوم تساقطت وتناثرت مغادرة أماكنها تنصب مسرعة كما أمرها ربّها. وفي التنزيل نحو ذلك: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الانفطار: ٢].
وقوله تعالى: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾. قال مجاهد: (ذهبت). قال النسفي: (سُيِّرت عن وجه الأرض وأبعدت، أو سيرت في الجو تسيير السحاب). والمقصود: وإذا الجبال نسفت فزالت عن أماكنها، وتركت الأرض قاعًا صفصفًا.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾. العشار: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها (١). ومعنى ﴿عُطِّلَتْ﴾ أي تركت هملًا بلا راع، وذلك لما شاهدوا من الهول العظيم. وخصّ العشار لأنها أنفس أموال العرب، وموضع رعايتهم المتميزة. فمنعت أهوال القيامة استمرار رعايتها والعناية بها.
وعن مجاهد: (﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ قال: سُيِّبَت، تركت). قال الضحاك: