(يقول: لا راعي لها). وقال الحسن: (سَيَّبَها أهلها فلم تُصَرّ، ولم تُحْلَب. ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ أي: بعثت حتى يقتص بعضها من بعض. وقيل: حشرها موتها. قال ابن عباس: (حشر البهائم: موتها، وحشر كل شيء: الموت، غير الجن والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة). وقال قتادة: (إن هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي اللَّه فيها ما شاء).
قلت: ولا تعارض بين المعنيين، فإن البهائم تحشر أولًا أمام الخلق يوم القيامة، حتى إذا اقتص بعضها من بعض قضى اللَّه عليها الموت فقال: كوني ترابًا، وعند ذلك يقول الكافر: ﴿يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: [لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء] (١).
وله شاهد عند الإمام أحمد عنه مرفوعًا بلفظ: [يقتصّ الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة] (٢).
ومن طريق أبي حجيرة عنه مرفوعًا بلفظ: [ألا والذي نفسي بيده، ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾. أي: أوقدت فصارت نارًا تضطرم. قال مجاهد: (﴿سُجِّرَتْ﴾: أوقِدَت). وقال الضحاك: (فُجِّرت). وقيل: غاض ماؤها، وقيل: فاضت. قلت: والراجح الأول، فإنه في لغة العرب: سَجَر التنّورَ أحماه، والسَّجُور: ما يُسْجَرُ به التَّنُّور. ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦]. والمقصود: يوقد اللَّه هذه البحار بالنار قبيل قيام الساعة فيفجرها تفجيرًا، كما قال جلت عظمته في سورة الانفطار: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾. أي: قرنت النفوس بأمثالها. فيقرن الرجل
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٦٣). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٩٦٧).
(٣) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٩٠) من طريق أبي حجيرة عن أبي هريرة. وانظر "السلسلة الصحيحة" ج (٣) ص (٦٠٩).