السماوات، يعني: ليس هو من أفناءِ الملائكةِ، بل هو من السادة والأشراف، مُعتنًى به، انتخِبَ لهذه الرسالة العظيمة).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾. تزكية من اللَّه تعالى لعبده ورسوله البشري محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، بعد تزكية عبده ورسوله المَلَكي جبريل بوصفه بالأمانة.
وعن ميمون بن مهران: (﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ قال: ذاكم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). وذِكْرُ اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾. أي: قد رأى محمد جبريل في صورته، له ست مئة جناح. قال مجاهد: (رآه نحو أجياد، وهو مشرق مكة).
والأفق المبين: أي البيِّن. قال القرطبي: (لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين. أي من جهته تُرى الأشياء).
وفي التنزيل نحو ذلك. قال تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: ٥ - ١٠].
فهذه هي الرؤيا الأولى التي كانت بالبطحاء، وهي المشار إليها هنا في سورة التكوير، والتي يبدو أنها نزلت قبل ليلة الإسراء، لأن الرؤيا الثانية عند سدرة المنتهى لم تذكر فيها، وإنما ذكرت في سورة النجم: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [النجم: ١٣ - ١٥]، والتي نزلت بعد الإسراء. أفاده الحافظ ابن كثير.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾. أي: وما محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بخبر السماء بباخل، فإنه لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التبليغ، بل يعلّم الخلق كلام اللَّه وأحكامه. قال مجاهد: (ما يضن عليكم بما يعلم). وقد قرأته عامة قراء المدينة والكوفة ﴿بِضَنِينٍ﴾ -والضنين: البخيل-، والمقصود ما سبق، إنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علّمه اللَّه من الوحي وأحكام الشرع. وأما بعض قراء مكة والبصرة فالقراءة عندهم "بظنين" -والظنين: المُتَّهم-، والمقصود: إنه غير متهم فيما يخبرهم عن اللَّه من الأنباء. وكلاهما قراءتان مشهورتان في الأمصار.
يروي ابن جرير بسنده عن سفيان، عن عاصم، عن زر: ("وما هو على الغيب بظنين" قال: الظنين: المتهم. وفي قراءتكم "بضنين" والضنين: البخيل، والغيب: