وقال البخاري: (قال الرَّبيع بن خُثَيْمٍ: "فُجِّرت": فاضت).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾. أي قُلِبَ ترابها، وأخرج الموتى منها. قال ابن عباس: (بُحِثَتْ). وقال السُّدّي: (تُبَعْثَر: تُحَرَّكُ فيخرج مَنْ فيها).
وقوله تعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾. أي: علمت حينئذ عند نشر الصحف ما قدّمت من عمل خير أو شرّ، وما أخّرت من حسنة أو سيئة. كما قال تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: ١٣].
والمقصود: إذا كانت هذه الحوادث الرهيبة قامت القيامة، فحوسبت كل نفس بما عملت، وأوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها. قال القاسمي: (﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ﴾ أي لذلك اليوم من عمل صالح أو سَيِّئٍ ﴿وَأَخَّرَتْ﴾ أي تركت من خير أو شر. أو المعنى: ما قدمت من عمل طيب لم تقصر فيه، وما أخرت أي قصرت فيه. والمراد بالعلم بالتمَديم والتأخير، وجدان الجزاء عليهما، وتحقق مصداق الوعد عليهما).
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾. تهديد من تمادى في العصيان، وغرّه عفو الرحمان، إذ لم يعاجله بالعقاب والانتقام. قال ابن عمر: (غرَّه -واللَّه- جهله). وقال قتادة: (غرّ ابن آدم هذا العدو الشيطان). وقال الفضيل بن عياض: (لو قال لي: "ما غرّك بي"، لقلت: سُتورك المُرْخاة). قال ابن كثير: (إنما أتى باسمه ﴿الْكَرِيمِ﴾ لِيُنَبِّهَ على أنه لا ينبغي أن يقابَلَ الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال السوء).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾. قال البخاري: (وقرأ الأعمش وعاصم "فَعَدَلك" بالتخفيف، وقرأه أهل الحِجاز بالتشديد، وأراد مُعْتدِل الخَلْق، ومن خَفَّفَ يَعْني: في أي صورة شاء: إمّا حَسَنٌ، وإما قبيحٌ، أو طويلٌ أو قصير).
والمقصود: خلقك ربك أيها الإنسان من نطفة ولم تك شيئًا "فسَوّاك" رجُلًا تسمع وتبصر وتعقل ﴿فَعَدَلَكَ﴾ جعلك معتدلًا قائمًا حسن الصورة، وجعل أعضاءك متعادلة متناسبة، في أحسن الهيئات والأشكال.
أخرج ابن ماجة وأحمد وابن سعد بسند حسن عن جُبَيْر بن نُفَير، عن بُسْر ابن جَحَّاش، أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصق يومًا على كفِّه، ووضع عليها إصبعه ثم قال: [يقول اللَّه تعالى: يا ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سَوَّيْتُكَ وعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بردين وللأرض منك وئيدٌ، فجمعت ومَنَعْتَ، حتى إذا بَلَغَتْ