نفسك هذه -وأشار إلى حلقه- "وفي رواية: حتى إذا بلغت التّراقى" قلتَ: أتصدق، وأنّى أوان التصدق؟ ! ] (١).
وقوله تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾. أي: ركبك سبحانه في الصورة التي شاءها من الصور المختلفة، وأنت لم تختر صورة نفسك. قال مجاهد: (﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾: في أي شَبَه أبٍ أو أمٍّ أو خالٍ أو عمٍّ). وقال مكحول: (إن شاء ذكرًا، وإن شاء أنثى). وقال عكرمة: (إن شاء في صورة إنسان، وإن شاء في صورة حمار، وإن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير). قال قتادة: (قادر -اللَّه- ربنا على ذلك). -والمقصود هنا: ولكنه بلطفه وحلمه اختار لك سبحانه أنسب شكل وأحسن منظر، وكَرَّمك على سائر المخلوقات في أحسن تقويم-.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾. -كلّا- للردع والزجر عن الاغترار بكرم اللَّه وجعله ذَريعة إلى الكفر به. والدين: الجزاء. قال النسفي: (﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ ردع عن الغفلة عن اللَّه تعالى ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ أصلًا، وهو الجزاء، أو دين الإسلام فلا تصدقون ثوابًا ولا عقابًا).
وعن مجاهد: (﴿تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ قال: بالحساب). أو قال: (بيوم الحساب). وقال قتادة: (قوله ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ قال: يوم شدّة، يوم يدين اللَّه العباد بأعمالهم).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾. يعني: وإن عليكم لملائكة رقباء حفظة يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم، كرامًا على اللَّه كاتبين، يكتبون ما يصدر عنكم. والمقصود: فاحرصوا على أعمال الإيمان والطاعة لتكتب لكم، واجتنبوا الشرك والقبائح والآثام أن تسطر في صحائفكم.
وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾. أي من خير أو شر. قال القاسمي: (أي يحصونه عليكم، فلا يغفلون ولا ينسون).
قال الرازي: (إنّ اللَّه تعالى أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم. لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم. ولما كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج كتاب بشهود، خوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة. فيخرج لهم كتب

(١) إسناده حسن. أخرجه ابن ماجة (٢/ ١٥٩)، وأحمد (٤/ ٢١٠)، وابن سعد في "الطبقات" (٧/ ٤٢٧). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٩٩).


الصفحة التالية
Icon