آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)}.
في هذه الآيات: تثبيتُ كتاب الفجار في سجين، في سجل أهل النار أسفل الأرضين، الذين يكذبون بيوم الدين، وقد طبع اللَّه على قلوبهم وهم عن ربهم يوم القيامة من المحجوبين، ثم مصيرهم ومستقرهم إلى نار الجحيم.
فقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾. قال قتادة: (في أسفل الأرض السابعة). وقال الضحاك: (يقول: في الأرض السفلى). وسِجِّين: فِعِّيلٌ من السِّجن، وهو الضيق، كما يقال: فِسِّيق وسِكِّير. والمقصود: حقًا إن كتاب أعمال الفجار مكتوب في سجل أهل النار في الأرض السفلى ليناسب سفالة نياتهم وتوجهاتهم.
وفي حديث البراء -في خروج روح الكافر والفاجر لا تفتح لها أبواب السماء- فيقول اللَّه عز وجل: [اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾. تعظيم لأمر سجين، وتهويل لمصير أهله.
وقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾. قال قتادة: (كتاب مكتوب). قال النسفي: (وفسّر سجينًا بكتاب مرقوم، فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه! قلت: سجين كتاب جامع هو ديوان الشّر دوّن اللَّه فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه، من رقم الثياب علامتها، والمعنى أنّ ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمي سجينًا فِعّيلًا من السجن، وهو الحبس والتضييق، لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم).
وقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾. أي: الهلاك والدمارُ للمكذبين، يوم يخرج المكتوب، وتصدر النتائج، ويحين وقت النكال والقصاص.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾. أي: الذين يكذبون بيوم الحساب والمجازاة. قال ابن زيد: (أهل الشرك يكذبون بالدين).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾. أي: فاجر جائر متجاوز في الإثم منهمك في أسبابه. قال قتادة: (﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ﴾: أي بيوم الدين، إلا كل معتد في