قوله، أثيم بربه). وقال ابن كثير: (أي: مُعْتد في أفعاله، من تَعاطي الحرامِ والمجاوزةِ فِي تناول المُباح، والأثيم في أقواله إن حَدَّثَ كذب، وإن وعَدَ أخلف، وإن خاصَمَ فَجَر).
وقوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾. أي: إذا تتلى عليه آياتنا المنزلة على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: هذا ما سطّره الأولون فكتبوه في كتبهم، من أحاديثهم وأباطيلهم وخرافاتهم.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. -كلّا- رَدْعٌ وزجر، أي ليس الأمر كما يصف ذلك المعتدي الأثيم، وإنما هي المعاصي والذنوب والآثام، تزاحمت وتكاثرت فأحاطت بقلوبهم حتى غَطّاها الران.
أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ سَوْداء، فإذا نَزَعَ واستَغْفَر وتابَ صُقِلَ قَلبُهُ، وإنْ عادَ زيدَ فيها حتى تَعْلُو قلبَهُ، وهو الرّان الذي ذكر اللَّه ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾] (١). قال ابن عباس: (طبع على قلوبهم ما كسبوا).
وعن الحسن: (﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قال: الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب فيموت). وقال مجاهد: (العبد يعمل بالذنوب، فتحيط بالقلب، ثم ترتفع، حتى تغشى القلب). وقال أيضًا: (انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته). وقال الضحاك: (الرين موت القلب). وعن أبي سليمان: (الرين والقسوة زماما الغفلة). وقيل: الرينُ يعتري قلوبَ الكافرين، والغيمُ للأبرار، والغينُ للمقرَّبين.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾. أي: بل هم ممنوعون عن رؤيته تعالى يوم القيامة. قال قتادة: (هو لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم). وقال الحسين بن الفضل: (كما حَجَبَهُم في الدنيا عن توحيده حَجَبَهُم في العقبى عن رؤيته). وقال الزجاج: (في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم، وإلا لا يكون التخصيص مفيدًا). وقال مالك بن أنس: (لما حجب أعداءه فلم يروه تجلّى لأوليائه حتى رأوه).
قلت: و ﴿كَلَّا﴾ رَدْعٌ عن الكسب الرائن على القلب، فهو الذي منعهم من رؤية