على جهة التفخيم والتعظيم لعليين في المنزلة العالية.
أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن أهل الدرجات العُلا ليَراهم من تَحْتَهم كما تَرَوْنَ النَّجْمَ الطالِعَ في أُفُقِ السَّماء، وإنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ منهم وأنْعَما] (١).
وقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾. أي: الكتاب الذي فيه أسماء الأبرار كتاب مسطور. وقوله تعالى: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾. قال قتادة: (وهم الملائكة). وقال العوفي، عن ابن عباس: (يشهُده من كلِّ سماء مقرّبوها). والمقصود: أن الملائكة يحضرون ذلك الكتاب المرقوم ويرونه. وقيل: يشهدون بما فيه يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾. الأرائك: الأسِرّة التي في الحجال، وهي الكِلَل. قيل: ينظرون إلى ما أعدّ اللَّه لهم من الكرامات. وقيل: ينظرون إلى وجهه جل جلاله.
وقوله تعالى: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾. قال ابن كثير: (أي: تَعْرِفُ إذا نظرتَ إليهم في وجوههم نَضْرَة النعيم، أي: صِفَة الترافة والحِشْمَةِ والسُرور والدَّعةِ والرِّياسة، مما هم فيه من النعيم العظيم).
وقوله تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾. أي: يُسْقون من خمر من الجنة. قال ابن عباس: (يعني بالرحيق: الخمر). قلت: والرحيق من أسماء الخمر، وهو من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده (٢). والمختوم الذي له ختام، فهو ممنوع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه للأبرار.
وقوله: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾. قال ابن مسعود: (أي: خَلْطُه مِسْكٌ). وقال ابن عباس: (طيَّبَ اللَّه لهم الخمر، فكانَ آخرَ شيء جُعِلَ فيها مسكٌ، خُتِمَ بِمِسْك). وقال الحسن: (﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾، أي: عاقِبتُه مِسْك). وقال مجاهد: (طِيْبُهُ مِسْك).
والمقصود: أنَّ آخر طعمه ريح المسك، فإذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك. وقيل: مختومة أوعيته بمسك، ليجمع بذلك بين الرائحة العطرة والمذاق اللذيذ.

(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (٩٦)، والترمذي (٣٦٥٨). وانظر صحيح الترمذي (٢٨٩٢).
(٢) وفي الصحاح: (الرحيق: صَفْوةُ الخَمْر)، وهو من رَحَقَ - حكاه الرازي.


الصفحة التالية
Icon