وقوله: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾. أي: وفي ذلك فليرغب الراغبون. والتنافس: التنازع في الشيء والتشاجر عليه، فيريده كل واحد لنفسه، وينفس به على غيره: أي يضنّ به. وهو مأخوذ من الشيء النفيمس، والذي تحرص عليه نفوس الناس وتطلبه وتشتهيه. قال القرطبي: (وقيل: الفاء (١) بمعنى إلى، أي: وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل، نظيره: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: ٦١]).
والمقصود: التنافس بالمسارعة إلى الخيرات والانتهاء عن السيئات، فهو التسابق المحمود إلى طاعة اللَّه ونيل رضاه.
وقوله تعالى: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾. أي: ويمزج ذلك الرحيق من تسنيم، وهو شراب ينصبّ عليهم من علوّ، وهو أشرف شراب الجنة. فعن مجاهد: (﴿تَسْنِيمٍ﴾ قال: تسنيم، يعلو). وعن معمر، عن الكلبي قال: (تسنيم ينصب عليهم من فوقهم، وهو شراب المقربين).
والتسنيم مصدر سنّمه إذا رفعه. قال ابن جرير: (والتسنيم: التفعيل من قول القائل: سنمتهم العين تسنيمًا: إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه في هذا الموضع: ومزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم).
والخلاصة: ومزاج ذلك الرحيق من ﴿تَسْنِيمٍ﴾ وهو علم لعين بعينها، سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنّمه إذا رفعه، لأنها أرفع شراب في الجنة، أو لأنها تاتيهم من فوق وتنصب في أوانيهم - ذكره النسفي.
وقوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾. عَيْنًا: حال، أو نصب على المدح. والمعنى: يسقون الرحيق من عين التسنيم يمزجون بها كؤوسهم. قال ابن عباس وابن مسعود: (عين في الجنة يشربها المقربون صرفًا، وتمزج لأصحاب اليمين).
٢٩ - ٣٦. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى