الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)}.
في هذه الآيات: نَعْتُ حال المجرمين في دار الدنيا وهم بالمؤمنين يسخرون، وإذا مروا بهم يتغامزون ويلمزون، ثم انعكاس هذه الحال ليصبح المؤمنون يوم القيامة هم من أعدائهم يضحكون، على الأرائك ينظرون، وقد نزل بالكفار سخط اللَّه ونالوا نكال ما كانوا يفعلون.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾. قال قتادة: (في الدنيا، يقولون: واللَّه إن هؤلاء لكذبة، وما هم على شيء، استهزاءً بهم).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾. أي: وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم، بقصد احتقارهم. وهو من الغمز: الإشارة بالجفون والحواجب، فهم يعيِّرونهم بالإسلام ويعيبونهم به.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾. أي: وإذا رجع الكفار إلى أهلهم من مجالسهم رجعوا معجبين بما هم فيه متلذذين به، يتفكهون بالطعن في المؤمنين، والاستهزاء بهم. قال ابن عباس: (فاكهين: معجبين). وقال ابن زيد: (انقلب ناعمًا، هذا في الدنيا، ثم أعقب النار في الآخرة). قال ابن كثير: (أي: وإذا انقلب، أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم، انقلبوا إليها فاكهين، أي: مهما طلبوا وجدُوا، ومع هذا ما شكروا نعمة اللَّه عليهم، بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحتقِرونهم ويحسُدونهم).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾. أي: لكونهم على غير دينهم. قال النسفي: (﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ﴾ وإذا رأى الكافرون المؤمنين ﴿قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ أي خدع محمد هؤلاء فضلوا وتركوا اللذات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات، فقد تركوا الحقيقة بالخيال، وهذا هو عين الضلال).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾. أي: ولم يرسل هؤلاء الكفار على المسلمبن من جهة اللَّه موكلين بهم يحفظون عليهم ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم، وإنما كُلِّفوا بالإيمان باللَّه والعمل بطاعته، ولم يجعلوا رقباء على غيرهم.
وفي التنزيل نحو ذلك:
قال تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ