شهوته، بَطِرًا أشِرًا لعدم خطور الآخرة بباله.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾. أي: إنه ظن أنه لا يرجع إلى اللَّه للحساب. قال قتادة: (﴿أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ قال: أن لن ينقلب. يقول: أن لن يبعث). وقال أيضًا: (أن لا معاد له ولا رجعة). وقال مجاهد: (أن لا يرجع إلينا).
والحَوْر: هو الرجوع: من حارَ يحور إذا رجع، قال ابن عباس: (ما كنت أدري: ما يحور؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها: حُوري، أي ارجعي إليّ).
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث عبد اللَّه بن سرجس قال: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سافر، يتعَوَّذُ مِن وَعْثاءِ السَّفر، وكآبة المُنْقَلب، والحَوْرِ بَعْد الكون -وفي رواية: بعد الكَوْر-، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال] (١). فهو يتعوذ من الحَوْر بَعْد الكَوْر: يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، فأصل الحور الرجوع.
وقوله تعالى: ﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾. أي: ليس الأمر كما يظن أن لا رجعة ولا حساب، بل إنه سيحور إلى ربه ويرجع، إن ربّه عالم به قبل أن يخلقه، وقضى له الرجوع إليه، والوقوف للجزاء بين يديه، وقد علم بما سبق له في أي الفريقين يستقر: في أهل السعادة أم أهل الشقاء.
قال النسفي: (﴿بَلَى﴾ إيجاب لما بعد النفي في ﴿لَنْ يَحُورَ﴾ أي بلى ليحورن ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ﴾ وبأعماله ﴿بَصِيرًا﴾ لا يخفى عليه، فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها).
١٦ - ٢٥. قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)﴾.
في هذه الآيات: قَسَمُ اللَّه تعالى بالشفق والليل وما جمع، والقمر إذا استوى واجتمع، أن عباده مَدْعوُّونَ إلى أحوال ومنازل تتابع، من الغنى والفقر والموت