والبعث والعرض الرهيب، فما لأكثرهم لا يؤمنون ولا يستعدون لذلك المشهد المهيب، فالكفار موعدهم نار الجحيم، والمؤمنون مستقرهم في جنات النعيم.
فقوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾. أي: فأقسم، و"لا" صلة. والشفق: الحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة. قال مالك: (الشَّفَقُ الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء). وقال الجوهري في الصحاح: (الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العَتَمة). وأصل الكلمة من رقة الشيء، يقال: شيء شفِق أي لا تماسك له لرقته، والمقصود: هنا رقة ضوء الشمس عند الغروب.
وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا: [وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس، ما لم يسقط الشّفق] (١).
وفيه أيضًا من حديث بريدة مرفوعًا: [وصَلّى المغرب قبْلَ أن يغيبَ الشَّفَقُ] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾. أي: والليل وما جَمَعَ وحَمَلَ، فإنه جمع وضمّ ما كان منتشرًا بالنهار في تصرّفه، وذلك أنّ الليل إذا أقبل آوى كل شيء إلى مأواه. قال ابن عباس: (﴿وَمَا وَسَقَ﴾: وما جمع). وقال قتادة: (وما جمع من نجم ودابة)، وكأنه -تعالى- أقسم بالضياء والظلام.
قال ابن جرير: (أقسم اللَّه بالنهار مدبرًا، وبالليل مقبلًا). وقال عكرمة: (﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾، يقول: ما ساقَ من ظُلمة، إذا كان الليل ذهب كلُّ شَيء إلى مأواه).
قلت: وأصل الوَسْق في لغة العرب: من وَسَقَ الشيء إذا جَمعه وحمله وضَمّه. وأوْسَق البعير أي: حَمَّلَهُ حِمله. ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع: وَسْقٌ، وهو ستون صاعًا. قال الرازي: (ومنه قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ فإذا جَلَّلَ الليلُ الجبالَ والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسَقَها).
وقوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾. أي: والقمر إذا تَمَّ واجتمع واستوى وتكامل في منتصف الشهر القمري. قال ابن عباس: (﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾: إذا اجتمع واستوى). وقال الحسن: (اتسق: أي امتلأ واجتمع). وقال قتادة: (إذا استدار). والاتساق افتعال
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٦١٣) - كتاب المساجد - من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.