من الوسْق الذي هو الجمع، يقال: وسقته فاتسق. ويقال: أمر فلان متسق: أي مجتمع على الصلاح منتظم. والمقصود في الآية: أنه يقسم تعالى بالقمر إذا تكامل نورُه وأبْدَرَ، فجعله مقابلًا لليل وما وسق.
وقوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾. اللام واقعة في جواب القسم. والمعنى: لتركبن أيها الناس حالًا بعد حال، من الغنى والفقر، والموت والحياة، ودخول الجنة أو النار. قال ابن عباس: (الشدائد والأهوال: الموت، ثم البعث، ثم العَرْض).
وأخرج البخاري في "كتاب التفسير" من صحيحه، عند هذه الآية عن مجاهد قال: قال ابن عباس: [﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾: حالًا بَعْدَ حالٍ. قال هذا نبيّكُم -صلى اللَّه عليه وسلم-] (١).
والطبق واحد الأطباق، وطبقات الناس مراتبهم. قال الرازي: (و"الطَبَقُ" الحال) (٢).
ومن أقوال أئمة المفسرين في تفصيل ذلك:
١ - قال الحسن: (﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾: أمرًا بعد أمر، رخاء بعد شدّة، وشدّة بعد رخَاء، وغنًى بعد فقر، وفقرًا بعد غِنًى، وصحة بعد سُقْم، وسقمًا بعد صحة).
٢ - وقال سعيد بن جبير: (منزلة بعد منزلة، قومٌ كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة).
٣ - وقال ابن زيد: (ولتصيرُن من طبقِ الدنيا إلى طبقِ الآخرة). قال القاسمي: (﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ أي حالًا بعد حال. والمعنيّ بالحال الأولى البعث للجزاء على الأعمال. وبالثانية الحياة الأولى. وفيه تنبيه على مطابقة كل واحدة لأختها. فإن الحياة الثانية تماثل الأولى وتطابقها من حيث الحسّ والإدراك والألم واللذة، وإن خفي اكتناهها. وجوز أن يكون ﴿طَبَقًا﴾ جمع طبقة وهي المرتبة. أي لتركبن مراتب شديدة مجاوزة عن مراتب وطبقات، وأطوارًا مرتبة بالموت وما بعده من مواطن البعث والنشور. قال الشهاب: الطبق معناه ما طابق غيره مطلقًا في الأصل، ثم إنه خص بما ذكر، وهو الحال المطابقة أو مراتب الشدّة المتعاقبة).
وقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٤٠) - كتاب التفسير، سورة الانشقاق، آية (١٩).
(٢) والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد: وقعَ في بناتِ طَبَق، وإحدى بنات طبَق، ومنه قيل للداهية الشديدة: أم طبق، وإحدى بناتِ طبق: وأصلها من الحَيّات، إذ يقال للحية أم طبق لتحوِّيها. - حكاه القرطبي.


الصفحة التالية
Icon