وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾. قال ابن عباس: (حَرَّقوا المؤمنين والمؤمنات). وقال مجاهد: (عَذّبوا).
وقوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾. أي: ثم لم يتوبوا من كفرهم، ويقلعوا عن فعلهم بالمؤمنين والمؤمنات ما فعلوا، ويندموا على ما أسلفوا. قال الحسن البصري: (انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءَه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة).
وقوله: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. أي لهم عذابان منوعان: عذاب على كفرهم، وعذاب على فتنتهم المؤمنين وحرقهم، فإن الجزاء من جنس العمل، فيضاعف لهم العذاب.
وقيل هما واحد، أو من باب عطف الخاص على العام للمبالغة فيه.
قال القاسمي: (والأظهر أنهما واحد، وإنه من عطف التفسير والتوضيح).
قلت: والأول أرجح، فإن تضاعف العذاب على أئمة الكفر والإجرام ثابت في القرآن والسنة.
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ١٩ - ٢٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨].
أخرج الإمام أحمد في المسند، والطبراني في "المعجم الكبير" بإسناد صحيح من حديث خالد بن الوليد قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [أشد الناس عذابًا عند اللَّه يوم القيامة أشدُّهم عذابًا للناس في الدنيا] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٩٠)، والحميدي (٥٦٢)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١/ ١٩٠/ ٢)، وإسناده صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم (١٤٤٢)، وصحيح الجامع الصغير (١٠٠٩).


الصفحة التالية
Icon