الذي علّمه جبريل عليه السلام: [وَمِنْ شَرِّ فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق، إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمان! ] (١).
قال الشهاب: (الطارق من "الطَّرْق"، وأصل معناه الضرب بوقعٍ وشدة يسمع لها صوت. ومنه المطرقة والطريق، لأن السابلة تطرقها. ثم صار في عرف اللغة اسمًا لسالك الطريق، لتصور أنه يطرقها بقدمه. واشتهر فيه حتى صار حقيقة. وتسمية الآتي ليلًا "طارقًا" لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها).
وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾. تأكيد لأهمية المُقْسَم به، لِيُنْتبَهَ بعد ذلك إلى ما يقع في جواب هذا القسم.
وقوله تعالى: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾. تفسير للمبهم بعد تفخيم شأنه، وتنبيه على الاعتبار والاستدلال به. والمراد بالنجم جنس النجوم. وكذلك الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العموم. قال البخاري: (﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾: المضيء).
وقال مجاهد: (الثاقب: المتوهِّج). وقال السدي: (يثقب الشياطين إذا أرسل عليها). وقال عكرمة: (هو مضيءٌ مُحْرِقٌ للشيطان). ومنه قوله تعالى: ﴿شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠].
قيل: وسمي بالثاقب لأنه يخترق بشدة ظلمة الليل. قال النسفي: (كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾. هو جواب القسم. أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون على كل نفس قولها رفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، ويحرسونها من المصائب والآفات بإذن اللَّه.
قال قتادة: (حفظة يحفظون عليك رزقكَ وعملك وأجلك).
وقال أيضًا: (قَرينُهُ يحفظ عليه عمله، من خير أو شر).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨].
٢ - وقال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١].