فقوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾. أي: نزهه عن كل ما لا يليق به بقولك: "سبحان ربي الأعلى". قال ابن عباس والسُّدي: (معنى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ أي عَظِّم ربك الأعلى).
أخرج أحمد وأبو داود بسند صحيح عن ابن عباس: [أنّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قرأ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: "سبحان ربي الأعلى"] (١).
قلت: وقوله جلّت عظمته ﴿الْأَعْلَى﴾ دليل صريح على علوه تعالى على جميع خلقه، وقد فطر سبحانه عباده على ذلك، فالقلوب تتوجه بذلك إليه، والأيدي ترفع عند الدعاء إلى السماء رجاء إجابته وإنزاله الفرج.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٧].
٣ - وقال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: ١٦].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ألا تأمنوني وأنا أمين مَنْ في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً] (٢).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾. أي خلق الخليقة والأشياء، وسوّى كل مخلوق في أحسن الهيئات. والتسوية التعديل. قال ابن عباس: (حسَّن ما خلق).
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾. يعني الهداية العامة لجميع الخلق، وهي أول مراتب الهداية. والمعنى: قدّر أجناس الأشياء، وأنواعها، وصفاتها، وأفعالها، وأقوالها، وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له.
قال مجاهد: (قدّر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة). وعنه قال: (هدى الإنسان للسعادة والشقاوة، وهدى الأنعام لمراعيها). وقيل: قدّر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع به.
(٢) حديث صحيح. وهو جزء من حديث طويل. انظر مختصر صحيح مسلم (٥١٤)، ورواه البخاري.