وقوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾. فيه تأويلان:
التأويل الأول: أي: سنقرئك يا محمد هذا القرآن فتحفظ ولا تنسى ما تقرؤه. قال القرطبي: (وهذه بُشرى من اللَّه تعالى، بشّره بأن أعطاه آية بينة، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي، وهو أُمِّي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه).
التأويل الثاني: قيل بل قوله ﴿فَلَا تَنْسَى﴾ طلب. أي لا تنسى ما يُتلى عليك.
وقال الجنيد: (﴿فَلَا تَنْسَى﴾ العمل به).
وقوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾. فيه تأويلان حسب مفهوم الآية قبله:
التأويل الأول: قال قتادة: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينسى شيئًا إلا ما شاء اللَّه).
قيل: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أن ينسخه، فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته.
التأويل الثاني: قال النسفي: (وقيل: قوله: ﴿فَلَا تَنْسَى﴾ على النهي والألف مزيدة للفاصلة، كقوله السبيلا. أي فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء اللَّه أن ينسيكه برفع تلاوته).
وقوله: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾. أي: إنه تعالى يعلم ما ظهر وما بطن، فلا يخفى عليه شيء من أقوال العباد وأعمالهم. قال ابن عباس: (﴿وَمَا يَخْفَى﴾: ما في قلبك ونفسك). وقيل: الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك، ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ هو ما نسخ من صدرك.
وقوله تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾. أي نهون عليك عمل الجنة حتى تبلغها.
قال ابن عباس: (نيسرك لأن تعمل خيرًا). وعن ابن مسعود: (﴿لِلْيُسْرَى﴾ أي للجنة). وعن الضحاك: (نوفقك للشريعة اليسرى، وهي الحنيفية السمحة السهلة).
وقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾. أي: فعِظ يا محمد الناس بهذا الوحي ما كانت الموعظة نافعة والذكرى مُجْدية. قال ابن كثير: (ومن هاهنا يُؤخَذُ الأدب في نَشْر العلم، فلا يضعه عند غير أهله، كما قال أمير المؤمنين علي -رضي اللَّه عنه-: ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلُغُه عقولُهم إلا كان فتنة لبعضهم. وقال: حَدِّث الناس بما يَعْرِفون، أتحبون أن يُكَذَّبَ اللَّه ورسوله؟ ).
وقوله تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾. أي: سيتعظ بوعظك من يخاف اللَّه ويخشى عقابه، فهذا الذي يزداد بالتذكير خشية وسدادًا.


الصفحة التالية
Icon