بمعنى قد، والتقدير: قد جاءك يا محمد حديث الغاشية، أي القيامة. وسميت بذلك لأنها تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها وتَعُمُّهم.
وقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾. قال قتادة: (أي ذليلة). وقال ابن عباس: (تنخشعُ ولا ينفعها عملُها). والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه، قال يحيى بن سلام: (وجوه الكفار كلهم). والخشوع: الخضوع والتذلل.
والمقصود: وجوه الكفار يومئذ في الموقف ذليلة منكّسة من هول ما تراه وما هي قادمة عليه.
وقوله تعالى: ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾. أي كانوا في الدنيا في تعب ونصب في العمل والعبادة، لكنهم على منهاج فاسد ودين باطل، فخسروا التجارة وباؤوا بغضب اللَّه. و ﴿نَاصِبَةٌ﴾ أي تَعِبَةٌ. من نَصِب ينصَب نصَبًا: إذا تَعب.
قال البخاري: (وقال ابن عباس: ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾: النصارى).
وقال عكرمة: (﴿عَامِلَةٌ﴾ في الدنيا بالمعاصي، ﴿نَاصِبَةٌ﴾ في النار بالعذاب والأغلال).
وقال الضحاك عن ابن عباس: (هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية اللَّه عز وجل، وعلى الكفر، مثل عبدة الأوثان، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم، لا يقبل اللَّه جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصًا له).
وقال الحافظ أبو بكر البَرْقانيُّ: حَدَّثنا إبراهيم بن محمد المُزَكى، حَدَّثنا محمد بن إسحاق السراج، حَدَّثنا هارون بن عبد اللَّه، حَدّثنا سَيَّار، حَدَّثنا جعفر قال: سَمِعتُ أبا عِمران الجَوْني يقول: (مَرَّ عُمَر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بدير راهب، قال: فناداه: يا راهبُ! يا راهبُ! فأشرَفَ، قال: فجعل عمر يَنظُرُ إليه ويبكي. فقيل له: يا أمير المؤمنينَ، ما يُبكيك من هذا؟ قال: ذكرتُ قول اللَّه -عزَّ وجلَّ- في كتابه: ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾، فذاك الذي أبكاني).
وقوله تعالى: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾. قال ابن عباس: (أي: حارّة شديدة الحرّ).
والمقصود: يصيبها صِلاؤها وحرّها، فقد أوقدت وأحميت المدة الطويلة.
وقوله تعالى: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾. قال ابن عباس ومجاهد: (أي: قد انتهى حَرُّها وغَليَانُها).