جَلَدْتُهُ به جلدًا شديدًا. وقد كان السوط عندهم نهاية ما يُعَذَّبُ به. وقال القرطبي: (﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ أي نصيب عذاب).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. قال ابن عباس: (يقول: يرى ويسمع). قال ابن كثير: (يعني: يَرْصُدُ خَلْقَهُ فيما يعملون، ويجازي كُلًا بِسَعْيِهِ في الدنيا والأخرى، وسَيُعْرَضُ الخلائق كُلُّهم عليه، فيحكُم فيهم بعدله، ويقابِلُ كلًا بما يَسْتَحِقُّهُ. وهو المُنَزَّهُ عن الظُلم والجور).
١٥ - ٢٠. قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)﴾.
في هذه الآيات: نَعْتُ اللَّه تعالى سلوك الإنسان في العسر واليسر، فهو يفرح بالنعم عند الرخاء، ويتنكر لآلاء ربه عند الضيق والعناء. وليته إذا أنعم اللَّه عليه أكرم اليتيم، وحرص على إطعام المسكين، بل أكثر الناس يبخلون ويحرصون على جمع المال، ليكون عليهم حسرة في المآل.
فقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى ﴿فَأَكْرَمَهُ﴾ بالمال، وأفضل عليه، ﴿وَنَعَّمَهُ﴾ بما أوسع عليه من فضله ﴿فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ فيفرح بذلك، ويسرُّ به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة).
والمقصود: إنكارٌ على الإنسان ظنه أن ورود الوان النعيم والرزق عليه علامة إكرام له من اللَّه، بل هي ابتلاء واختبار وامتحان، كما قال جل ثناؤه: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦].
وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾.
أي: وأمّا إذا ما اختبره سبحانه بضيق الرزق وقلة المال فيظن أن ذلك إهانة له.
وقوله: ﴿كَلَّا﴾ أي ليس الأمر كما يظنون، فليس الإكرام والإهانة في كثرة المال