وقوله: ﴿يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾. قال النسفي: (هذه وهي حياة الآخرة، أي ياليتني قدمت الأعمال الصالحة في الحياة الفانية لحياتي الباقية). وقال القرطبي: (﴿يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ أي في حياتي. فاللام بمعنى في. وقيل: أي قدمت عملًا صالحًا لحياتي، أي لحياة لا موت فيها. وقيل: حياة أهل النار ليست هنيئة، فكأنهم لا حياة لهم، فالمعنى: يا ليتني قدّمت من الخير لنجاتي من النار، فأكون فيمن له حياة هنيئة).
وأخرجَ الإمام أحمد في المسند، والبخاري في "التاريخ الكبير" بسند صحيح عن عتبة بن عبد قال: إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لو أنَّ رجلًا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة اللَّه عز وجل لحقَّره يوم القيامة] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾. قال ابن كثير: (أي: ليس أحدٌ أشدَّ عذابًا من تعذيب اللَّه من عَصاه).
والمقصود: لا يعذِّب كعذاب اللَّه أحد، ولا يوثق كوثاقِه أحد. فالكناية ترجع إلى اللَّه تعالى، وهو قول ابن عباس والحسن.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾. أي: ولا يوثق الكافِرَ بالسلاسل والأغلال كوثاق اللَّه أحد.
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾.
أي: والصورة المقابلة لحال أولئك الكفرة الفجرة، هي صورة الأتقياء السعداء البررة، أصحاب النفوس الساكنة الموقنة بربها، المطمئنة لثوابه، الآمنة من عذابه، يقال لها عند الاحتضار -أو البعث أو دخول الجنة-: ارجعي إلى جوار ربك وثوابه ونعيم جنانه، راضية عن ربها، مرضية عنده.
فعن ابن عباس: (﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾، يقول: المصدقة). قال الحسن: (المطمئنة إلى ما قال اللَّه، والمصدّقة بما قال). وقال مجاهد: (النفس التي أيقنت أن اللَّه ربها، وضربت جأشًا لأمره وطاعته). وقال أيضًا: (المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أن اللَّه ربها، وضربت لأمره جأشًا). وقال: (المخبتة والمطمئنة إلى اللَّه).