وعن ابن عباس: (﴿فِي كَبَدٍ﴾ قال: في شدَّة خَلْقٍ، ألم تر إليه وذكر مَوْلِدَه ونبات أسنانه). وقال مجاهد: (﴿فِي كَبَدٍ﴾ نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، يتكبَّدُ في الخلق). وقال ابن عباس أيضًا: (﴿فِي كَبَدٍ﴾ يقول: في نصب). أو قال: (في انتصاب، يعني القامة). قال الضحاك: (خُلِقَ منتصبًا على رجلين، لم تخلق دابة على خلقه). وعن قتادة: (﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ حين خلق، في مشقة، لا يُلقى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والآخرة). وعن الحسن: (يكابد أمرًا من أمر الدنيا، وأمرًا من أمر الآخرة). وقال أيضًا: (يكابِدُ مضايقَ الدنيا وشدائدَ الآخرة). قلت: وإنما تهوين هذه الشدائد أو عبورها وتجاوزها يكون اختصاصًا من اللَّه تعالى لأوليائه وأحبابه المؤمنين، فإنما استراح من غُفر له، ولا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه ورضاه.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥].
وفي صحيح السنة العطرة من آفاق هذه الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج أحمد في المسند، وأبو نعيم في الحلية، بسند حسن في الشواهد عن عائشة قالت: قيل: يا رسول اللَّه ماتت فلانة واستراحت! فغضب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: [إنما يستريح من غُفِرَ له] (١).
وفي رواية: [إنما استراحَ من غُفِرَ له].
الحديث الثاني: أخرج مالك وأحمد والشيخان عن أبي قتادة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرَّ عليه بجنازة، فقال: مستريحٌ أو مستراحٌ منه. قالوا: يا رسول اللَّه ما المتسريحُ والمستراحُ منه؟ قال: [العبدُ المؤمن يستريح من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمه اللَّه، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب] (٢).
الحديث الثالث: أخرج ابن ماجة بسند صحيح من حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-
(٢) حديث صحيح. أخرجه مالك (١/ ٢٤٤/ ٥٤)، وعنه البخاري (٤/ ٢٣٣)، وكذا مسلم (٣/ ٥٤)، وأحمد (٥/ ٣٠٢ - ٣٠٣)، والنسائي (١/ ٢٧٢ - ٢٧٣).