قال: [إنَّ الميتَ يصيرُ إلى القبر، فَيُجْلَسُ الرجلُ الصالحُ في قبرِهِ، غَيْرَ فَزِعٍ ولا مشعوف. ثم يُقال له: فيمَ كُنتَ؟ فيقول: كنتُ في الإسلام. فَيُقالُ له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمدٌ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، جاءَنا بالبينات مِن عند اللَّه فصَدَّقْناه. فيُقالُ له: هل رأيتَ اللَّه؟ فيقول: ما ينبغي لأَحَدٍ أن يرى اللَّه، فَيُفْرَجُ له فُرْجَةٌ قِبَلَ النار. فينظُر إليها يَحْطِمُ بَعْضُها بعْضًا. فيُقال له: انظُرْ إلى ما وقاكَ اللَّه. ثم يُفْرَجُ له قِبَلَ الجنة. فينظرُ إلى زَهْرَتها وما فيها. فيقال له: هذا مَقْعَدُكَ، ويُقال له: على اليقين كُنْتَ، وعليه مُتَّ، وعليه تُبْعَثُ، إن شاءَ اللَّه] (١).
وقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾. أي: أيظن الإنسان أن لن يقدر عليه ولا ينتقم منه أحد، مهما اقترف من السيئات، حتى ولا ربِّه عزّ وجل؟ !
وقوله تعالى: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾. أي يقول ابن آدم: أنفقت مالًا كثيرًا مجتمعًا. وهو من تلبَّد الشيء: إذا اجتمع.
والمقصود: ما أنفقه من الأموال للافتخار والمباهاة والرياء. قال ابن عباس: (يعني باللبد: المال الكثير). وقال مجاهد: (﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ قال: مالًا كثيرًا). قال القاسمي: (كقولهم: "خسرت عليه كذا وكذا" إذا أنفق عليه. يتفضل على الناس بالتبذير والإسراف، ويحسبه فضيلة لاحتجابه عن الفضيلة وجهله).
وقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾. كشف لحقيقة ما كان عليه من النفاق والرياء.
قال النسفي: (﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ حين كان ينفق ما ينفق رياء وافتخارًا، يعني أن اللَّه تعالى كان يراه وكان عليه رقيبًا).
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾. قال قتادة: (نِعَمٌ من اللَّه متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره). وقال القاشانّي: (أي ألم ننعم عليه بالآلات البدنية التي يتمكن بها من اكتساب الكمال، ليبصر ما يعتبر به، ويسأل عما لا يعلم، ويتكلم فيه؟ ).
والمقصود: تذكير من اللَّه تعالى عباده بنعمه عليهم، في سلامة الآلات التي يتوصلون بها إلى تحصيل منافعهم الدينية والدنيوية، فالحاجة إلى العينين للرؤية، واللسان للنطق والتعبير عما في الضمير، والتكلم بالحجة والحق، والشفتين لحبس