أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبد اللَّه بن سلام قال: [لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يعني: المدينة، انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلامَ، وأطعموا الطعام، وصَلُّوا والناسُ نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلام] (١).
وقوله تعالى: ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾. قال ابن زيد: (ذا قرابة). والمعنى: أي يطعم اليتيم -وهو الصغير الذي لا أب له-، ويكون اليتيم من أقارب هذا المقتحم الذي يبغي النجاة في الآخرة.
أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن سلمان بن عامر يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحِم ثِنْتان: صدقةٌ وصلة] (٢).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾. أي لا شيء له، حتى كأنه لشدة فقره قد لصِقَ بالتراب. وهو من "ترب الرجل" إذا افتقر، والمتربة: المسكنة والفاقة. قال ابن عباس: (﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ هو المطروح في الطريق، الذي لا بيت له، ولا شيء يقيه من التراب). وفي رواية: (هو الذي لَصِقَ بالدقعاء من الفقر والحاجة، ليس له شيء). والدقعاء: التراب. وقال عكرمة: (هو الفقير المديونُ المحتاجُ). وقال سعيد بن جبير: (هو الذي لا أحدَ له). وقال قتادة: (هو ذو العيالى). وقيل: هو البعيدُ التربة -قاله ابن عباس- يعني الغريب عن وطنه. وكل ما سبق داخل في مفهوم الآية، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾.
أي: ثم إن ذلك المقتحم للعقبة إضافة إلى ما سبق من الأوصاف الجميلة فهو مؤمن يوصف بالتحلي برفيع الإيمان في قلبه، وجميل الأعمال على جوارحه، مع الاحتساب ثواب الابتلاء عند ربه، ورحمته عباد اللَّه جميعًا.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٦٥٨)، أبواب الزكاة، باب الصدقة على ذي القرابة. ورواه ابن ماجة (١٨٤٤)، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة. وقد مضى.