بالإيمان). وقيل: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهّرهم من دنس الكفر والذنوب - قاله ابن جريج. وعن الحسن: (﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ يعني القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ السنة). وقال مالك بن أنس: ("الحِكْمَةُ" الفقه في الدِّين).
وقوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. أي: وإن كانوا من قبل محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لفي كفر وجهالة، وذهاب عن الحق.
وقوله: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾. عطف على ﴿الْأُمِّيِّينَ﴾ أي بعث في الأميّين وبعث في آخرين منهم. أو هو منصوب بالعطف على الهاء والميم في ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ﴾ أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين - حكاه القرطبي وقال: (لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مسندًا إلى أوّله، فكأنه هو الذي تولّى كل ما وجد منه) وقال عكرمة: (﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾: هم التابعون). وقال مجاهد: (هم الناس كلهم، يعني من بعد العرب الذين بُعِث فيهم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال ابن زيد: (هم من دخل في الإسلام بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يوم القيامة).
قلت: وآفاق هذه المعاني في عموم بعثته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتصديق العرب والعجم بهذا الدين، والتسابق لحمل لوائه مؤيد في تفسير هذه الآية بروائع من السنة الصحيحة:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: [كنا جُلوسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأُنزلت عليه سورة الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ قال: قُلت: مَنْ هُمْ يا رسول اللَّه؟ فَلَمْ يُراجِعْهُ حتى سأل ثلاثًا وفينا سلمانُ الفارسي، وضَعَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده على سَلْمانَ، ثم قال: لو كان الإيمان عِند الثريا لنالَهُ رجالٌ أو رجُلٌ مِنْ هؤلاء] (١).
وقد صَحَّ بلفظ آخر: [لو كان الدينُ عند الثريا لذهبَ به رجلٌ من فارس، أو قال: من أبناء فارس حتى يتناوله] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الحاكم بإسناد على شرط البخاري عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [رأيت غنمًا كثيرة سوداء، دخَلَت فيها غَنَمٌ كثيرةٌ بيض.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٩٧)، كتاب التفسير، سورة الجمعة (٣)، وأخرجه مسلم (٢٥٤٦)، والترمذي (٣٣١٠)، وأحمد (٢/ ٤١٧)، والنسائي في "التفسير" (٦١٢)، وأخرجه الطبري في "التفسير" (٣٤٠٨٦).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٦/ ١٩١)، وأحمد (٢/ ٣٠٨ - ٣٠٩) عن أبي هريرة مرفوعًا.


الصفحة التالية
Icon