التدسيس، وهو إخفاء الشيء في الشيء، فأبدلت سينه ياء، كما يقال: قَصَّيتُ أظفاري، وأصله قَصَّصْتُ أظفاري). ذكره القرطبي، وقال: (وكذا الفاجر أبدًا خَفِيّ المكان، زَمِرُ (١) المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس بركوب المعاصي. وقيل: دساها: أغواها).
وللآية تأويلان متكاملان كما سبق:
التأويل الأول: قد خاب من أهمل نفسه وتركها تركب المعاصي والآثام، وتخوض في معصية الرحمان. قال مجاهد: (﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ قال: أضَلَّها). وقال سعيد بن جبير: (أغواها). وقال قتادة: (أثَّمها وأفجرها).
التأويل الثاني: قد خاب من دسَّى اللَّه نفسه. قاله ابن عباس، وابن زيد.
في صحيح السنة من آفاق هذه الآيات أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن أبي عاصم بسند حسن عن أبي هريرة، أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾. قال: اللهم إيت نفسي تقواها. زكها أنت خير من زكّاها. أنت وليها ومولاها] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس قال: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا مرَّ بهذه الآية ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ وقف ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكّاها] (٣).
الحديث الثالث: خَرَّجَ مُسْلِمٌ في الصحيح عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول، قال: [كان يقول: اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكَسَل، والجُبْنِ والبُخْلِ، والهَرَمِ وعذاب القبر، اللهم! آتِ نفسي تَقْواها، وزَكِّها أنْتَ خيرُ من زَكَّاها، أنت وَلِيُّها ومَوْلَاها، اللهُمَّ! إني أعوذ بكَ مِنَ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ قلبِ لا يخشعُ، ومِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومَنْ دَعْوَةٍ لا يُستجاب لها] (٤).

(١) الزمر: القليل.
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٣١٩). باب: في قوله عليه السلام: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾. وله شواهد، وانظر ما بعده.
(٣) حديث حسن. أخرجه الطبراني (١١١٩١)، وقال الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٣٨): إسناده حسن.
(٤) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٧٢٢) - كتاب الذكر والدعاء، باب في الأدعية.


الصفحة التالية
Icon