في عطبها. فأما من بذل ماله في وجوه الخير واتقى محارم اللَّه التي نهى عنها، وصدق بموعود اللَّه بالثواب والجنة فسييسره اللَّه للخصلة اليسرى: العمل بطاعة اللَّه والإنفاق في سبيله حتى بلوغ الجنة. وأما من بخل بالبذل والفضل واستغنى عن ربه، وكذب بموعوده، فسييسره اللَّه للخصلة العسرى، حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح، ويضعف عن فعلها، فيؤديه ذلك إلى النار.
فقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾. قَسَم من اللَّه بالليل إذا وارى كل شيء بظلامه. قال القاسمي: (أي يغشى الشمس أو النهار بظلمته، فيذهب بِذَاكَ الضياء).
وقوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾. قَسَمٌ من اللَّه بالنهار إذا انكشف ووضح وظهر، وبان بضوئه عن ظلمة الليل. قال ابن كثير: (﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾، أي: بضيائه وإشراقه).
وقوله: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾. فيه تأويلان ممكنان:
التأويل الأول: قَسَمٌ من اللَّه عز وجل بنفسه. قال الحسن: (معناه والذي خلق الذكر والأنثى).
التأويل الثاني: قَسَمٌ من اللَّه تعالى بخلقه لجنسي الذكر والأنثى من بني آدم وغيرهم. فتكون "ما" مصدرية كما سبق.
أخرج البخاري في صحيحه عن إبراهيم، عن عَلْقَمةَ قال: [دَخَلْتُ في نَفَرٍ مِنْ أصحابِ عبد اللَّه الشَّامَ فَسَمِعَ بنا أبو الدَّرْدَاء فأتانا فقال: أفيكم مَنْ يَقْرَأُ؟ فقُلنا: نعم. قال: فأَيُّكم أقْرأ؟ فاشاروا إليَّ، فقال: اقْرَأ، فقرأت ﴿والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى﴾ قال: آنْتَ سَمِعْتَها مِنْ في صاحِبِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قال: وأنا سَمِعْتُها مِنْ في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهؤلاء يَأَبُوْن علينا] (١).
وأخرج البخاري ومسلم عن الأعمش عن إبراهيم قال: [قَدِمَ أصحابُ عبدِ اللَّه على أبي الدرداء فَطَلَبَهُم فَوَجَدهم فقال: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ على عَبْدِ اللَّه قال: كُلُّنا، قال: فأيُّكم يَحْفَظُ؟ وأشاروا إلى عَلْقَمَةَ، قال: كيف سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾؟ قال علقمة: ﴿والذكر والأنثى﴾ قال: أشهد أنّي سمِعْتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأُ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ واللَّه لا أُتَابِعُهُم] (٢).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٤٣) - كتاب التفسير - سورة الليل - آية (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٤٤) - كتاب التفسير -، ومسلم (٨٢٤) ح (٢٨٢). وانظر صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (٢٣٤٢).


الصفحة التالية
Icon