وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعًا من الروم، وما يُتَخَوّف منهم، فكتب إليه عمر رضي اللَّه عنهما: (أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من مَنزِل شدّة، يجعل اللَّه بعده فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن اللَّه تعالى يقول في كتابه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)﴾ [آل عمران: ٢٠٠]).
والمقصود بالآيات: تسلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يلقاه من أذى قومه وتكذيبهم، فإن مع الشدة التي أنت فيها -يا محمد- من جهاد هؤلاء المشركين وما في طريق الدعوة من عقبات وآلام، رجاء وفرجًا، ونصرًا قريبًا، وظفرًا مؤكدًا. وهو خطاب يمضي عبر الزمان يحمل الأمن والطمأنينة وبشائر النصر لرجال هذا الدين وعلمائه الذين يقارعون مناهج الكفر والطغيان في الأرضن حتى يُعْبدَ اللَّه تعالى وحده، ويُحكم بشرعه ويعلو منهاجه فوق كل مناهج الدنيا.
أخرج البزار في "مسنده"، وابن عدي في "الكامل"، بإسناد حسن في الشواهد، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ المَعُونَةَ تأتي مِنَ اللَّه على قَدْرِ المُؤْنة، وإن الصبرَ يأتي من اللَّه على قدْرِ البلاء] (١). والمؤنة والمؤونة: القوت.
وأخرج الخطيب في "التاريخ"، والديلمي بإسناد جيد، عن أنس مرفوعًا: [النَّصْرُ مع الصَّبرِ، والفرجُ مع الكَرْبِ، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْرًا، وإنَّ مع العُسْر يُسْرًا] (٢).
ومما يُروى عن الشافعي أنه قال:
صبرًا جميلًا ما أقْرَبَ الفَرجا | من راقَبَ اللَّه في الأمور نجَا |
مَن صدّق اللَّه لم ينلْه أذى | ومَنْ رَجَاه يكونُ حَيْثُ رجَا |
إذا اشتملت على اليأس القلوبُ | وضاقَ لما به الصدرُ الرحيبُ |
وأوطأتِ المكاره واطمأنَّت | وَأَرستْ في أماكِنها الخُطوبُ |
(٢) حديث صحيح. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي (٤/ ١١١ - ١١٢)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (٢٣٨٢).