ولكنهم أحرص الناس على الحياة واللَّه عليم بالظالمين.
قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾. قال ابن عباس: (﴿حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾ أي كُلّفوا العمل بها). وقال الجُرجاني: (هو من الحَمالة بمعنى الكفالة، أي ضمنوا أحكام التوراة).
وقوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾. أي تركوا العمل بها، وأهملوا التحاكم إليها.
وقوله: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾. أسفارًا: جميع سِفْر، وهو الكتاب الكبير، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ. قال مجاهد: (﴿يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ يحمل كتبًا لا يدري ما فيها، ولا يعقلها). وقال مَيمون بن مِهْران: (الحمار لا يدري أسِفْر على ظهره أم زِبيل، فهكذا اليهود). قال القرطبي: (وفي هذا تنبيه من اللَّه تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه، لئلا يلحقه من الذمّ ما لحق هؤلاء).
قلت: وقد جاء في السنة الصحيحة نحو ما جاء في هذه الآية مما يعيب اليهود، ويحذر أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تسلك مسلكهم.
فقد أخرج الطبراني بسند حسن عن أبي موسى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن بني إسرائيل كتبوا كتابًا فاتبعوه وتركوا التوراة] (١).
وكذلك أخرج الطبراني بسند صحيح عن خَبّاب رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إن بني إسرائيل لما هلكوا قصُّوا] (٢).
قال المناوي: (أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص، وعولوا عليها، واكتفوا بها).
قلت: وما أشبه حال المسلمين اليوم بهذا الحال الذي حُذّروا من اتباعه، فإن كثيرًا من وعاظهم انصرفوا إلى الوعظ بالقصص والأخبار الواهية، والحكايات والإسرائيليات البالية، تاركين منهج الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم الحق، والذي يحملهم على العمل الصالح والدأب والتحصيل النافع.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (رقم - ٣٧٠٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٣٦٢). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٦٨١).