وقوله تعالى: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾. هو طور سيناء، أقسم اللَّه به. قال مجاهد: (﴿وَطُور﴾: الجبل و ﴿سِينِينَ﴾: المبارك). قال كعب الأحبار: (هو الجبل الذي كلَّم اللَّه عليه موسى). وقال عكرمة: (والسينين: الحسن، كما ينبت في السهل، كذلك ينبت في الجبل). وقال قتادة: (جبل بالشام، مبارك حسن).
وقوله تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾. يعني مكة، وسماه أمينًا لأنه آمِن. والمقصود: يقسم اللَّه تعالى بهذا البلد الحرام الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله، أو يغزوهم.
قلت: وقد جاء في التوراة: أنّ اللَّه تجلّى على الناس في أماكن ثلاثة، هِيَ: سيْنَاء، حيث أُعطي موسى عليه السلامُ التوراةَ. ساعير "جبال في فلسطين"، حيث أُعطي الإنجيل لعيسى عليه السلام. مكَّة "فاران": حيث نزل القرآن على محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
تقول التوراة التي بين يدي اليهود إلى يومنا هذا: "جاء الرَّبُ من سَيناء، وأشرقَ لنا من ساعيرَ، وتلألأ من جبل فاران".
وفاران: هو الاسم القديم لمكة، كما تذكر التوراة نفسها في سِفْر التَّكوين (٢١: ٢٢).
وقد أشار بعض الباحثين، إلى أن القرآن قد أشار إلى هذه الأماكن الثلاثة بقوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾. التين والزيتون: إشارة إلى منابتهما في فلسطين. طور سينين: سَيْناء. هذا البلد الأمين: مكة.
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾. هو جواب القسم.
وفي التفاسير أقوال متقاربة متكاملة في مفهوم هذه الآية:
١ - قال ابن عباس: (﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ قال: في أعدل خلق). وقال إبراهيم: (في أحسن صورة). وقال مجاهد: (أحسن خلق).
٢ - قال عكرمة: (﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ قال: الشاب القوي الجلد). وعن ابن عباس قال: (شبابه أول ما نشأ).
٣ - قال ابن عباس -في رواية-: (خلق كل شيء منكبًّا على وجهه إلا الإنسان).
والمقصود: خلق اللَّه تعالى الإنسان في أكمل هيئة، وأَتَمِّ خَلْقٍ، وأحسن صورة،