رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرَ ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس (١) الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذَعًا (٢)، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومُكَ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: وَمُخْرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي (وفي رواية: أوذي) وإن يدركني يومُكَ أنصُرْك نصرًا مؤزرًا، ثم لم ينشبْ ورقة أن توفي وفتر الوحي] (٣).
فكانت سورة العلق أول شيء نزل من القرآن (٤)، وقد رُوي ذلك عن عائشة رضي اللَّه عنها، وكذلك عن بعض الصحابة والتابعين.
قال عبيد بن عمير: (أول سورة نزلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق﴾).
وقال عطاء بن يسار: (أول سورة نزلت من القرآن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾).
وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده إلى أبي رجاء العطاردي قال: (كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الأشعري، كأني أنظر إليه بين بردين أبيضين، قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وكانت أول سورة نزلت على محمد).
قال ابن جرير: (يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك (٥) ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾. ثم بين الذي خلق فقال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ يعني: من الدم، وقال: من علق، والمراد به من علقة، لأنه ذهب إلى الجمع. ثم قال: وقوله: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ يقول: اقرأ يا محمد وربك الأكرم ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ خَلْقَهُ الكتاب والخط).
وقال قتادة: (القلم نعمة من اللَّه عظيمة، لولا ذلك لم يقم ولم يصلح عيش). وقال ابن زيد: (﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ قال: عَلَّمَ الإنسان خطًا بالقلم).
(٢) جذعًا: أي شابًا فَتيًا.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣) - كتاب بدء الوحي. وأخرجه أحمد (٦/ ١٥٣)، ورواه مسلم.
(٤) انظر التحقيق في ذلك في تفسير سورة المدثر، وبسط الأدلة في ذلك هناك.
(٥) الباء في ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ في محل نصب على الحال. والتقدير: اقرأ يا محمد مفتتحًا باسم ربك. وكأنه قيل: قل باسم اللَّه ثم اقرأ. فهو إشارة إلى ذكر التسمية في ابتداء كل سورة. وقيل: الباء بمعنى على. أي اقرأ على اسم ربك. فالمقروء محذوف وهو القرآن. وقيل: الباء زائدة. والتقدير: اقرأ اسم ربك، كقوله تعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠].