قلت: والعلم لابد لِحِفْظِهِ من الكتابة، وقد ربط اللَّه سبحانه في هذه الآيات التي هي أول ما نزل من القرآن بين القراءة والكتابة على أنهما وسيلتا العلم الأولى لا ينفصلان، فقال جل ذكره: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾. وفي ذلك امتنان منه -تعالى- على الإنسان أن علّمه الخط بالقلم، ولم يكن يعلمه، مع أشياء كثيرة غير ذلك، مما علمه ولم يكن يعلمه. والدرس النافع المستنبط هنا هو أهمية الكتابة لطالب العلم.
أخرج الحاكم والطبراني عن أنس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [قَيِّدُوا العِلْمَ بالكتاب] (١).
وله شاهد عند الخطيب وابن عبد البر بسند حسن عن عبد اللَّه بن عمرو قال: [قلتُ: يا رسول اللَّه! أُقَيِّدُ العلمَ؟ قال: نعم. قلت: وما تقييده؟ قال: الكتاب].
ومن ثَمَّ فالقراءة وحدها لا تكفي لتثبيت العلم، وإنما تعتضد بالكتابة، فبالقراءة تتشكل ثقافة عامة، وفرق بين الثقافة وبين العلم، فإن العلم يقتضي استحضار الأدلة على جزئياته وفروعه، وهذا لا يكون إلا بالاستعانة بالكتابة والتصنيف والاستفادة من طريقة العلماء.
٦ - ١٩. قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)﴾.
في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن حال الإنسان عند حصوله السعة وبسط الرزق والغنى، فهو يتقلب في الفرح والأشر والبطر والطغيان، وسرعان ما ينسى المنعم المتفضل المنّان. وحثُّ اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الثبات على الحق والهدى، وتحدي الطاغية الذي كذب وتولى.
فقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾. أى: حقًا، إن الإنسان ليطغى