﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥].
أخرج الترمذي والحاكم بسند حسن في الشواهد عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلًا بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو أن فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي من يفعل مثله. إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة. فقيل: يا رسول اللَّه، ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي] (١).
وقوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾. هو أصل هذا الدين، وركنه القويم. والمقصود: وما أمر الناس في الكتب المنزلة وكذلك في هذا القرآن إلا بعبادة اللَّه وحده عبادة خالصة من كل ألوان الشرك، وليجعلوا أنفسهم خالصة له في الدين. ﴿حُنَفَاءَ﴾ مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. قال ابن عباس: (﴿حُنَفَاءَ﴾: على دين إبراهيم عليه السلام). وقال قتادة: (والحنيفية: الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك). وأصله في لغة العرب: من تَحَنَّفَ إلى الإسلام، أي: مال إليه، فهو التحنّف عن الشرك إلى التوحيد.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤].

(١) حسن لشواهده. أخرجه بتمامه الترمذي في "سننه" (٥/ ٢٦ - طبعة أحمد شاكر)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ١٢٨ - ١٢٩)، والآجري في "الشريعة" ص (١٥).


الصفحة التالية
Icon