قال الأخفش: (إذا كان الميت في بطن الأرض، فهو ثقل لها. وإذا كان فوقها، فهو ثِقل عليها). والمقصود: تخرج الأرض يومئذ ما في جوفها من الأموات والدفائن وما عُمِلَ عليها.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [تَقِيءُ الأرضُ أفلاذَ كبدها أمثال الأُسطوانِ (١) من الذهب والفِضة، فيجيء القاتلُ فيقول: في هذا قَتَلْتُ. ويجيءُ القاطِعُ فيقولُ: في هذا قَطَعْتُ رحمي. ويجيء السارقُ فيقولُ: في هذا قُطِعَتْ يدي، ثم يَدَعونَهُ فلا يأخذون منه شيئًا] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾. أي: وقال الإنسان لما دهمه أمرها وبَهَره خطبها: لأي شيء زلزلت وأخرجت أثقالها؟ وقد كانت قارّة ساكنة بأهلها! لقد تقلبت أحوالها بعدما جاءها من أمر اللَّه ما جاءها. كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: ٤٨].
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾. أي: يومئذ تخبر بأخبارها، وتحدّث بما عمل عليها، ينطقها اللَّه سبحانه لتشهد على العباد.
وعن سفيان: (﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قال: ما عمل عليها من خير أو شر). وقال ابن زيد: (ما كان فيها، وعلى ظهرها من أعمال العباد). وقال مجاهد: (تخبر الناس بما عملوا عليها).
وقوله تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾. أي: تحدّث أخبارها بوحي اللَّه وأمره لها، بأن تخبر عما جرى عليها، وتَشْهَد على العاملين بما كان منهم على ظهرها. وعن سفيان: (﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ قال: أعلمها ذلك). وقال مجاهد: (أمَرَها). وقيل: (أذِن لها).
وقال البخاري: (﴿أَوْحَى لَهَا﴾، أوْحى إليها، ووحَى لها، وَوَحَى إليها واحِدٌ).
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾. أي: يصدر الناس يومئذ من قبورهم إلى موقف الحساب، متفرقين ينصرف بعضهم إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة الشمال، إضافة إلى التفرّق في الأديان والأعمال. قال ابنُ جُريج:
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٠١٣)، والترمذي (٢٢٠٨)، وأخرجه ابن حبان (٦٦٩٧).