(يتصَدّعون أشتاتًا فلا يجتمعون آخرَ ما عليهم). وقال السدي: (﴿أَشْتَاتًا﴾ فِرقًا). و ﴿أَشْتَاتًا﴾ جمع لست. وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم: ١٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُون﴾ [الروم: ٤٣].
وقال النسفي: (﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ﴾ يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف ﴿أَشْتَاتًا﴾ بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين، أو يصدرون عن الموقف أشتاتًا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار ﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ أي: جزاء أعمالهم).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
الذّر: ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. والمقصود: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من أعمال البر والصلاح يجد ذلك في كتابه يوم القيامة فيفرح به، أو يراه بعينه معروضًا عليه، يحمل البشرى إليه. ومن يعمل كذلك في الدنيا مثقال ذرة من أعمال الفجور والسوء يجد ذلك في كتابه يوم القيامة فيسوؤه، وقد يغفره اللَّه.
وفي صحيح البخاري -عند تفسير هذه الآية- عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: [أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أجْرٌ، ولرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأمّا الذي له أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَها في سبيل اللَّه فأطالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أصابَتْ في طِيَلهِا ذلك في المَرْجِ والرَّوضة كانَ له حَسناتٍ، ولو أنها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفين كانتْ آثارها وأرْواثُها حَسناتٍ له، وَلَوْ أنَّها مَرّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ولمْ يُردْ أنْ يَسْقِيَ به كان ذلك حسناتٍ له، فهي لذلك الرجل أَجْرٌ، وَرَجُل ربَطها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا، ولمْ يَنْسَ حقَّ اللَّه في رِقابِها ولا ظهورها فَهِيَ له سِتْرٌ، ورَجُلٌ ربَطها فَخْرًا ورياءً وَنِواءً فهي على ذلك وِزْرٌ". فَسُئِل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الحُمُرِ، قال: "ما أنزل اللَّه عليَّ فيها إلا هذه الآيةَ الفاذَّة الجامِعةَ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾] (١).